قرأت مرة مقالا ظريفا كتبه أحد المعلقين الأمريكيين الذين عاشوا في مصر فترة. فقال عن تركيب مصر السياسي في عصر الثورة إنها جاءت بقاموس ومصطلحات جديدة إلى دنيا السياسة في العالم. والغريب أن الرجل استقى معلوماته من صفحة الوفيات في جريدة الأهرام، فداخل كل نعي كان يعرف قرابة فلان الوزير لفلان رئيس مجلس إدارة كذا لفلان قائد سلاح كذا لفلان السفير في كذا، وهكذا. المصطلحات الجديدة التي أدخلها ذلك الحزب الغريب الجديد كانت مصطلحات تبدو مضحكة لأول وهلة، ولكنها كانت فعلا الحقيقة المرة، فهناك «الشلة»، وهناك «الدفعة»، وهناك «القرابة القريبة والبعيدة».
في كل مجال من مجالات حياتنا كان يحكمها إما شلة أو ممثل الدفعة أو قريب لهذا أو ذاك من القائمين على الحكم.
والخارطة السياسية لمصر تقول إنه منذ زمن بعيد جدا، منذ أول انتخابات أجرتها الثورة، منذ تعقيم مصر سياسيا واعتبار أي ماض سياسي للشخص حتى لو كان وطنيا ونظيفا وشريفا لا يحسب له، وإنما يحسب عليه، منذ أول انتخابات جرت فإنها لم تجر على أسس سياسية إنما على أسس شخصية ذاتية أخلاقية محضة.
يعني نحن ننتخب الرجل الطيب، ليس مهما أن يكون فاهما في السياسة أو غير فاهم، ليس مهما أن يكون واعيا بحيث يدرك ما يصلح لبلادنا وما لا يصلح، المهم أن يكون «طيبا والسلام».
وبهذا قضينا على السياسة ولم ننتخب لمجالس شعبنا قادة سياسيين، إنما انتخبنا في معظم الأحوال رجالا طيبين أو قادرين على إنجاح أنفسهم بالمال أو بالنفوذ أو حتى بالتهديد.
ذلك لأن الثورة لم تسمح لنفسها أن تكون حزبا له مبادئ محددة واضحة تدقق جدا في اختيار أعضائه لأنها ثورة تحكم، وما أكثر الانتهازيين الذين يريدون الانضمام لأي تنظيم تصنعه ثورة تحكم. لم تسمح لنفسها أن تنشئ ذلك الحزب، وطبيعي جدا أنها لم تسمح لأي قوى غيرها بأن تنشئ أي أحزاب أخرى.
لهذا فالموقف الآن أحسن قليلا.
واضح أن ثورة 15 مايو على أقل تقدير قد قررت أن تنشئ لنفسها حزب مصر العربي الاشتراكي، وأن تسمح لأقسام أخرى من الرأي العام أن تنشئ أحزابا قد تختلف قليلا أو كثيرا مع حزب مصر.
أقول إن الموقف أحسن، ولكنه ليس بالضرورة الموقف المثالي.
ولكن المشكلة أني أرى الموضوع من زاوية أخرى تماما.
صفحة غير معروفة