المجوسية ، وكانوا يتزوجون بالصداق والشهود ، ويطلقون ثلاثا ، إلى غير ذلك.
ويمكن للقارئ أن يتصور سمو الرفعة التي كانت لأهل مكة على سائر القبائل والأمم ، هذا السمو الذي رشح عليهم من عظمة بيت الله ، فمنحهم إمتيازات كانت لهم دون سائر العرب ، وكانت العرب ، بل وملوكهم يدينون لهم بذلك.
فمن شرف مكة ، أنها كانت لقاحا لا تدين بدين الملوك ، ولم يؤد أهلها إتاوة ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان ، تحج إليها ملوك حمير ، وكندة ، وغسان ، ولخم ، فيدينون للسادة من قريش ، ويرون تعظيمهم والإقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما ، وكان أهلها آمنين يغزون الناس ولا يغزون ، ويسبون ولا يسبون ، ولم تسب قرشية قط فتوطأ قهرا ، ولا تجال عليها السهام ، وقد ذكر مجدهم وعزهم الشعراء فقال بعضهم :
أبوا دين الملوك فهم لقاح
إذا هيجوا إلى حرب أجابوا
أما البيت ، بيت الله قلب مكة النابض ، فقد كان جواره ملتقى للسادة من قريش ، يتحلقون حوله حلقات حلقات ، ينظرون في مشاكلهم ومشاكل الناس من حولهم كما كان ولا يزال مزدحما للطائفين والعاكفين والركع السجود.
وكان للكثير من الطائفين حول البيت طرق وعادات يستعملونها في طوافهم ، فمنهم من كان يعتقد بأن حجه لا يتم إلا بالصفير ، فهم يقولون لا يتم حجنا حتى نأتي مكان البيت فنمك فيه! أي نصفر صفير المكاء ( طائر صغير )، وقسم منهم كان يرى التصفيق من ضروريات الطواف (1) وقسم منهم كانوا يطوفون عراة حول البيت! إلى غير ذلك مما تمليه عليهم عقولهم القاصرة.
صفحة ١٦