لا يمكننا حتى قبول الزعم القائل بأن انشقاق البحر نتج عن أمواج تسونامي (موجة مدية) نجمت عن ثوران بركان سانتوريني في منطقة إيجه، لأن تاريخ ثوران البركان قد تراجع إلى عام 1550 على الأقل، وعام 1628ق.م على الأرجح، استنادا إلى تواريخ مستقاة من تجارب الكربون المشع والعينات اللبية الجليدية، بينما من المرجح أن يرجع تاريخ الخروج في أقرب تقدير إلى 1250ق.م، أو 1450ق.م
49
ومن ثم، فإن قرنا على الأقل (من 1550ق.م إلى 1450ق.م) أو على الأرجح أربعة قرون (من 1628ق.م إلى 1250ق.م) تفصل بين الحدثين، وهو ما يعني أن الجهود لتفسير انشقاق البحر الأحمر والضربات التوراتية على أنها ظواهر مرتبطة بثوران البركان هي جهود خاطئة تماما.
يصف سفر يشوع في الكتاب المقدس العبري بالتفصيل فتح المدن الكنعانية على يد بني إسرائيل الغزاة. استنادا إلى هذه الرواية، كان يمكن للمرء أن يتوقع أن يجد أدلة على دمار واسع النطاق في المواقع الكنعانية التي جرت فيها أعمال تنقيب، مثل مجدو، وحاصور، وبيت إيل، وآي، وغيرها. مع ذلك، يجب ألا يغيب عن أذهاننا الرواية المناقضة نوعا ما في سفر القضاة، التي تعطي صورة مختلفة قليلا (أطول وأقل دموية) عن الفتح، والتي فيها عاش بنو إسرائيل والكنعانيون معا في مدن مختلفة . تكمن المشكلة، كما أبرزنا في موضع آخر،
50
في أنه يوجد أدلة أثرية قليلة جدا تدعم حكايات الكتاب المقدس عن تدمير المدن الكنعانية في ذلك الوقت. يعتقد حاليا أن موقعي مجدو ولاخيش قد دمرا بعد ذلك بأكثر من قرن، في حوالي 1130ق.م، كما سنرى لاحقا، ولا يوجد دليل في مواقع أخرى، مثل أريحا، على حدوث تدمير في أي وقت من القرن الثالث عشر ولا حتى في القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
لا تزال حاصور وحدها تشكل احتمالا ممكنا، لأنه من الواضح أن القصر (أو المعبد) في المدينة العالية الذي يرجع تاريخه إلى العصر البرونزي المتأخر قد احترق وعلى الأقل جزء من المدينة قد دمر، حسبما يستدل على ذلك من عوارض الأسقف الخشبية الساقطة والجرار المملوءة بقمح محروق. هذه الصروح، التي بنيت أثناء ما كانت حاصور في أوجها في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وقتما ورد ذكرها في رسائل العمارنة المصرية، تضررت بشدة أثناء التدمير، كما تضررت بوابة المدينة، التي دمرت «في «حريق رهيب ومدمر»، ممثل في أكوام من الطوب اللبن الساقط والرماد يصل ارتفاعه إلى 1,5 متر.»
51
كشفت أحدث التنقيبات في التل العلوي للمدينة عن المزيد من نفس الشيء: «طبقات كثيفة من الرماد، وعوارض خشبية محترقة، وألواح بازلت متصدعة ، وطوب لبن تحول إلى زجاج، وجدران منهارة، وتماثيل بازلتية مشوهة.»
52
صفحة غير معروفة