يمكننا أن نلخص هذا القرن بالقول بأنه فترة شهدت صعود الاتصالات الدولية على أساس مستدام في سائر أنحاء عالم منطقة البحر المتوسط القديم، من إيجه إلى بلاد الرافدين. بحلول ذلك الوقت، كان وجود المينويين والميسينيين في منطقة إيجه في العصر البرونزي راسخا، وكذلك كان حال الحيثيين في الأناضول. كان الهكسوس قد طردوا من مصر، وكان المصريون قد استهلوا ما ندعوه حاليا الأسرة الثامنة عشرة وفترة المملكة الحديثة.
ومع ذلك، كما سنرى لاحقا، كان هذا فقط بداية ما سيغدو «عصرا ذهبيا» للنزعة الدولية والعولمة خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد الذي تلا. فمثلا، صعد المزيج بين السنوات العديدة التي أمضاها تحتمس الثالث في الحملات العسكرية والدبلوماسية، والتي جاءت في أعقاب بعثات حتشبسوت التجارية السلمية وأعمالها العسكرية الباهرة،
72
بمصر إلى قمة السلطة والازدهار الدوليين اللذين لم يسبق، إلا نادرا، أن شهدهما هذا البلد من قبل. نتيجة لذلك، رسخت مصر وجودها باعتبارها واحدة من القوى العظمى طيلة ما تبقى من العصر البرونزي المتأخر، إلى جانب الحيثيين، والآشوريين، والكيشيين/البابليين، بالإضافة إلى أطراف فاعلة أخرى متنوعة مثل الميتانيين، والمينويين، والميسينيين، والقبارصة، والذين سنتعرض لهم بمزيد من التفصيل في الفصل التالي وما بعده.
الفصل الثاني
المشهد الثاني
علاقة (إيجية) لا تنسى: القرن الرابع عشر قبل الميلاد
كان، ولا يزال، يطلق على التمثالين الضخمين الواقفين عند مدخل معبد أمنحتب الثالث الجنائزي في كوم الحيتان - واللذين يزيد ارتفاعهما عن ستين قدما والمقدر لهما أن يقفا حارسين طيلة الثلاثة آلاف والأربعمائة سنة التالية، حتى عندما كان هذا المعبد الجنائزي تسرق كتله الحجرية الضخمة وينهار ببطء متفتتا إلى تراب - اسم «عملاقي (تمثالي) ممنون» نتيجة لخطأ في تحديد هويتهما على أنهما يمثلان ممنون، الذي كان أميرا إثيوبيا أسطوريا قتل في طروادة على يد أخيل. يمثل كل تمثال أمنحتب الثالث، فرعون مصر من سنة 1391 إلى 1353ق.م، جالسا. كان التمثالان مشهورين بالفعل منذ ألفي سنة، ويرجع ذلك جزئيا إلى هذا التحديد الخاطئ لهويتهما، فكان يزورهما السائحون من قدماء اليونان والرومان المطلعين على «إلياذة» و«أوديسة» هوميروس، والذين نحتوا كتابات ورسومات على أرجلهما. عرف عن أحد التمثالين - بعد تعرضه لضرر بالغ جراء زلزال في القرن الأول قبل الميلاد - إصداره لصوت صفير غريب عند الفجر، مع انكماش الحجر وتمدده بفعل برودة الليل وحرارة النهار. لسوء حظ مجال السياحة القديمة، وضعت أعمال الترميم أثناء الحقبة الرومانية في القرن الثاني الميلادي أخيرا نهاية ل «صيحات الإله»
1
اليومية.
صفحة غير معروفة