وبدلا من شعوب البحر، اعتقد اليونانيون القدماء، من مؤرخين مثل هيرودوت وثوسيديديس في أثينا في القرن الخامس ق.م وحتى الرحالة باوسانياس الأحدث عهدا بكثير، أن مجموعة تعرف باسم الدوريين قد أتت غازية من الشمال في نهاية العصر البرونزي، مستهلة بذلك العصر الحديدي.
45
هذه الفكرة كانت يوما ما محل كثير من النقاش بين أوساط الأثريين والمؤرخين القدماء في إيجه في العصر البرونزي؛ إذ كان من بين اعتباراتهم نوع جديد من الأواني الفخارية يسمى «الأواني اليدوية المصقولة» أو «الأواني البربرية». ومع ذلك، بات واضحا في العقود الأخيرة أنه لم يحدث غزو من هذا النوع من الشمال في هذا الوقت ولا يوجد سبب يدعونا إلى قبول فكرة أن «غزوا دوريا» قضى على الحضارة الميسينية. وبصرف النظر عن تراث اليونانيين القدماء اللاحقين، من الواضح أن الدوريين لم يكن لهم أي علاقة بالانهيار الذي حدث في نهاية العصر البرونزي المتأخر وأنهم لم يدخلوا اليونان إلا بعد وقت طويل من وقوع تلك الأحداث.
46
إضافة إلى ذلك، تشير دراسات أجريت مؤخرا إلى أنه حتى أثناء انحدار العالم الميسيني وفي الأعوام الأولى من العصر الحديدي التالي، ربما كان البر الرئيسي لليونان لا يزال محافظا على صلاته التجارية مع شرق المتوسط. غير أنه من المحتمل أن هذه الصلات لم تعد حينئذ تحت سيطرة طبقات النخبة التي كانت تسكن قبل ذلك قصور العصر البرونزي.
47
على الجانب الآخر، لدينا في شمال سوريا وثائق عديدة تشهد بحقيقة أن غزاة من البحر هاجموا أوغاريت أثناء هذه الفترة الزمنية. وعلى الرغم من قلة ما لدينا من أدلة ثابتة بشأن أصول هؤلاء الغزاة، ليس بوسعنا إغفال أنه كان من بينهم شعوب البحر. إضافة إلى ذلك، أشار باحثون مؤخرا إلى أن كثيرا من دويلات المدن في شرق المتوسط، وأوغاريت تحديدا، ربما تكون قد تضررت تضررا بالغا جراء انهيار طرق التجارة الدولية، التي ربما كانت عرضة لأعمال نهب من الغزاة القادمين من البحر.
اقترح إيتامار سنجر، على سبيل المثال، أن سقوط أوغاريت ربما كان راجعا إلى «الانهيار المفاجئ للهياكل التقليدية للتجارة الدولية، التي كانت تمثل شريان الحياة للاقتصاد الأوغاريتي الذي كان آخذا في الازدهار في العصر البرونزي.» وضع كريستوفر مونرو من جامعة كورنيل هذا الأمر ضمن إطار أكبر، مشيرا إلى أن دويلات المدن الأغنى في شرق المتوسط كانت الأكثر تضررا جراء الأحداث التي وقعت أثناء القرن الثاني عشر قبل الميلاد؛ لأنها لم تمثل الأهداف الأكثر استقطابا للغزاة فحسب بل أيضا كانت الأكثر اعتمادا على شبكة التجارة الدولية. ويقترح أن الاعتماد، أو ربما الاعتماد المفرط، على المشاريع الرأسمالية، وتحديدا التجارة البعيدة المدى، يمكن أن يكون قد أسهم في انعدام الاستقرار الاقتصادي الملاحظ في نهاية العصر البرونزي المتأخر.
48
ومع ذلك، ينبغي ألا نتجاهل حقيقة أنه كان من شأن أوغاريت أن تمثل هدفا مغريا لغزاة خارجيين وأيضا قراصنة محليين، بالإضافة إلى مجموعات محتملة أخرى. وفي هذا الصدد، ينبغي أن ننظر مجددا في الرسالة المأخوذة من الأرشيف الجنوبي، التي عثر عليها في الساحة 5 في قصر أوغاريت (ولكن ليس بداخل قمين)، والتي تذكر سبع سفن للأعداء كانت تعيث فسادا في الأراضي الأوغاريتية. سواء كان لهذه السفن بعينها علاقة بالتدمير النهائي لأوغاريت أم لا، فقد كان من شأن سفن كهذه أن تعطل التجارة الدولية التي كانت أوغاريت تعتمد عليها اعتمادا حيويا.
صفحة غير معروفة