واقترب الرجلان، وحدقا فيهما بعيونهما السود، ولكن دون أن تصدر منهما إشارة تدل على معرفتهما، أو أية علامة تشير إلى أنهما قد رأياها فعلا أو أدركا وجودها، وارتخى الثعبان الملتوي مرة أخرى، وتدلى على بقية الثعابين، ثم مر الرجلان.
قالت ليننا: «إنني لا أحب هذا المنظر بتاتا.»
وكانت أشد مقتا لما لقيته عند مدخل القرية، حيث خلفهما المرشد ودخل البلد كي يتلقى الأوامر. تقززت ليننا أولا من القاذورات ومن أكوام النفايات والتراب والكلاب والذباب، فتجعد وجهها والتوى اشمئزازا، ورفعت منديلها إلى أنفها.
وانفجر صوتها حانقة لا تكاد تصدق ما ترى، وقالت: «كيف يمكنهم العيش هنا؟ (ولقد كان العيش بالفعل مستحيلا في ذلك المكان).»
وهز برنارد كتفيه متفلسفا وقال: «على أية حال، إنهم عاشوا هنا حتى الآن خمسة آلاف عام أو ستة آلاف؛ ولذا فإني أظن أنهم الآن متعودون.»
وأصرت ليننا قائلة: «ولكن النظافة من الإيمان.»
واستمر برنارد قائلا: «نعم والمدنية تعقيم.» مرددا في سخرية الدرس الإيحائي الثاني من مبادئ علم الصحة، ثم قال: «ولكن هؤلاء الناس لم يسمعوا بفورد وهم غير متمدنين؛ ولذا فلا يهم ...»
وقضبت على ذراعه مذعورة، وقالت: «انظر!»
وكان حينذاك رجل هندي عار كله تقريبا، يهبط على السلم المتنقل مبطئا من ردهة الطابق الأول في المنزل المجاور، وأمسك بالقضيب تلو القضيب، وهو يرتجف من الحرص كأنه شيخ عجوز، وكان وجهه أسود عميق التجاعيد، كأنه قناع من الصخر اللامع، وانفرج ثغره عن فم بغير أسنان، وفي طرفي شفتيه وعلى جانبي ذقنه أبرقت بضع شعرات خشنة طويلة بيضاء وسط البشرة السوداء، وتدلى شعره الطويل غير مضفور في خصل رمادية حول وجهه، وقد احدودب ظهره وهزل جسمه، حتى برزت عظامه وتغضن لحمه، وهبط في بطء شديد، وكان يقف عند كل قضيب من قضبان السلم، قبل أن يجرؤ على الهبوط درجة أخرى.
فهمست ليننا قائلة: «ما علته؟» وقد انفرجت عيناها فزعا ودهشة.
صفحة غير معروفة