وإذ هم يخرجون إلى الطابق الرابع عشر، سمعوا مضخما من مضخمات الصوت يهمس قائلا: «الصمت، الصمت.» وأفواه الأبواق تكرر هذا اللفظ «الصمت، الصمت» في الردهات الفينة بعد الفينة دون أن يصيبها كلال، فنهض الطلبة - بل والمدير نفسه - من تلقاء أنفسهم فوق أطراف أصابعهم، وكانوا بطبيعة الحال من النوع «أ»، ولكن حتى هذا النوع كان حسن التكييف، ودوى الفضاء كله في الطابق الرابع عشر بهذا الأمر المقدس: «الصمت، الصمت.»
وبعد مسير خمسين ياردة على أطراف الأصابع، بلغوا بابا فتحه المدير في حرص شديد، ووطئوا المدخل، فإذا بهم في غرفة نوم ذات نوافذ خشبية موصدة، ضوءها كالشفق، ورأوا ثمانين سريرا صغيرا قائمة إلى جوار الحائط، وطرق آذانهم صوت أنفاس منتظمة خافتة وتمتمة متصلة، كأنها أصوات خافتة جدا تهمس من بعيد.
وعند دخولهم نهضت إحدى المربيات، ووقفت أمام المدير تصغي إليه.
سألها: «ما موضوع الدرس بعد ظهر اليوم؟»
فأجابت: «كان عندنا في الأربعين دقيقة الأولى شيء عن مبادئ الشئون الجنسية، أما الآن فقد غيرنا الموضوع، وأخذنا ندرس مبادئ شعور الطبقات.»
وسار المدير متباطئا حذاء صف الأسرة الطويل، فرأى ثمانين ولدا وبنتا مستلقين نياما، متوردين مسترخين، يزفرون أنفاسا خافتة، وسمع المدير همسا تحت كل وسادة، فكف عن المسير، وانحنى فوق أحد الأسرة الصغيرة، وأنصت مصغيا.
وقال: «هل قلت مبادئ شعور الطبقات؟ لنكرر هذه العبارة بالبوق بصوت أكثر ارتفاعا.»
وكان في نهاية الغرفة مضخم للصوت يبرز من الحائط، فسار المدير نحوه وضغط على زر من الأزرار.
وسمع صوت ناعم، غير أنه واضح كل الوضوح، يقول: «كلهم يلبس الأخضر.» وقد بدأ العبارة من وسطها، ثم قال: «والأطفال من النوع «د» يلبسون الكاكي. كلا، إني لا أحب أن ألعب مع هؤلاء الأطفال. والأطفال «ه» أسوأ حالا، إنهم أغبى من أن يستطيعوا القراءة أو الكتابة، وفوق ذلك، فهم يلبسون الأسود، وهو لون وحشي، أحمد الله أني من النوع «ب».»
ثم كانت فترة سكون، وبدأ الصوت من جديد، قال: «إن الأطفال «أ» يلبسون الرمادي، وهم أكثر منا عملا؛ لأنهم مهرة جدا، إني حقا جد سعيد؛ لأني من الطراز «ب»؛ لأني لا أعمل كثيرا، ونحن خير من «ج» و«د»؛ فطراز «ج» أغبياء، كلهم يلبسون الأخضر، والأطفال من نوع «د» يلبسون الكاكي. كلا، إني لا أحب أن ألعب مع هؤلاء الأطفال. و«ه» أسوأ حالا، إنهم أغبى من أن يستطيعوا ...»
صفحة غير معروفة