ولقد خرجت الدنمارك من تلك الظروف التي تؤدي إلى إعاقة النمو السكاني بصفة دائمة، بعدد من السكان قدر بنحو 797 ألف شخص في عام 1769، ثم جاء الإصلاح والنهضة الزراعية طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، فارتفع تعداد الدنماركيين إلى 4,9 مليون شخص (حسب إحصاءات عام 1968).
وفي الفترة ذاتها ارتفع عدد ساكني المدن من 159 ألفا إلى 2,3 مليونا، وهذا النمو في المدن راجع إلى نمو اقتصادي قائم على أساس التجارة المعتمدة على: (1) العلاقات البحرية، (2) الإنتاج المحلي.
لقد تقدمت الزراعة ابتداء من عام 1788 بعد تحرير الفلاحين وتمليك الأراضي ملكية خاصة، فانقسمت معظم القرى الكبيرة وتفككت معها الروابط الإقليمية وانتشرت المزارع في كل أنحاء الدولة، ومع هذا بدأ الاهتمام بالثروة الحيوانية، وأدى هذا إلى قلة الحاجة للأيدي العاملة مما اضطرت معه الأيدي الفائضة إلى الهجرة للمدن، وخاصة العاصمة، وما زالت هناك مناطق يمكن التوسع الصغير فيها في جتلند، فطبيعة شبه الجزيرة هذه غير سهلة وما زالت مساحات منها غير مستغلة بالكامل، فهي في أعماقها ريفية، ويجب القضاء على الحشائش والمستنقعات والكثبان لكي تصبح الأرض منتجة، وتتضح صعوبة المنطقة من أن الكثافة في جتلند هي 165 شخصا في الميل المربع الواحد وهي كثافة منخفضة جدا بالنسبة لمتوسط الكثافة الدنماركية (258)، وشمال جتلند معرض باستمرار لرياح شديدة، وهو أرض رعوية خالصة بالإضافة إلى حرفة صيد الأسماك في مدينة سكاجن في أقصى شمالها الشرقي، وتصل الملاحة البحرية داخل فيورد ليم حتى مدينة ألبورج القديمة (83000 شخص)، وفي هذه المدينة يوجد عدد من الصناعات منها البيرة والمخصبات والأسمنت، وشرق جتلند يتمتع بطبوغرافية متنوعة وتربة غنية وبعض نطاقات الغابات والأرض الزراعية المنتجة للقمح والشعير والبنجر، كما تربى الماشية والدواجن، وفي هذا القسم أيضا نشأت مدن صناعية مثل آرهوس (119000 شخص) وهي ثاني مدن الدنمارك وعاصمة إقليمية لجتلند وتحتوي على صناعات ميكانيكية وملابس، وفي هورسنز
Horsens (36000 شخص) مناسج، وفي راندرز (42000 شخص) ورش لصناعات عربات السكك الحديدية، والحقيقة أن الفارق ضخم وكبير بين الساحل الشرقي لجتلند المليء بالنشاط والمدن والساحل الغربي المليء بغابات الصنوبر والأحراش والحشائش، وبالرغم من ذلك فإن المناطق الكائنة غرب جتلند أصبحت مفتاح أمان للنمو السكاني والنشاط الزراعي الرعوي، فالتربة الرملية تخلط بالمارل وتقام سدود كما في هولندا، ولكن على نطاق أصغر، والمستنقعات تجفف، وقد بني ميناء إزبرج
Esberg
صناعيا في ساحل رملي غير صالح، ولكنه أصبح الآن ميناء هاما لتصدير الزبد واللبن ولحم الخنزير إلى بريطانيا، وأصبح سكان إيزبرج 51 ألفا، أما شلزفيج التي استولى عليها الألمان من 1864 إلى 1920 فقد أعيدت إلى الدنمارك، ولكن عمليات الإصلاح الزراعي فيها غير واسعة، وهي ألمانية الطابع إلى حد ما.
الجزر الدنماركية تعادل نصف مساحة جتلند، ولكنها أكثف منها سكانا وأكثر استغلالا إلى الحد الأقصى لطاقتها، وأكبر هذه الجزر هي زيلند في الشرق وفينن في الغرب، وفي فينن مزارع صغيرة أقل من 20 فدانا، وتنتج البنجر والورود والفاكهة، وأكبر مدينة هي أودنزه
Odense (106000 شخص) ثالث مدن الدنمارك، وهي مركز سكك الحديد، ولسوقها شهرة قديمة، والجزر الجنوبية تنتج البنجر والعلف، أما زيلند فهي أغنى جزيرة من حيث التربة، والمزارع تدار بدقة وعناية بالغة، وتنتج كميات كبيرة من الحبوب والبنجر والعلف، وتتراوح مساحة المزرعة بين 50 و150 فدانا، والأرض كلها سهلية مفتوحة دون مظاهر طبوغرافية تكسر حدة الملل إلا أستار الأشجار التي تحمي المزارع، والجزيرة تقع تحت ظل العاصمة، وهي في الوقت ذاته أكبر مدينة في نورديا.
كوبنهاجن: يبلغ عدد سكانها نحو 1,3 مليون شخص، وهو ما يعادل ربع سكان الدنمارك، واسمها الأصلي
Kopmanna Haven «ميناء التاجر» قد بنيت بواسطة كبير أساقفة الدنمارك في القرن 12، وموقعها كبوابة البلطيق، قد جعلها مركزا ملاحيا هاما، وكذلك تعتبر مركزا تجاريا وصناعيا هاما أيضا، ويتوغل الميناء عميقا داخل المدينة، وللمدينة تاريخ حضاري له آثاره في نورديا وغرب أوروبا، وهي المكان الوحيد في الدنمارك الذي توجد فيه صناعة ثقيلة: ترسانة لبناء السفن ومناسج كبرى - صناعات غذائية - مصانع كهربائية - أجهزة ميكانيكية - آلات ديزل على وجه الخصوص، وإلى جانب ذلك صناعة الصيني والفضة.
صفحة غير معروفة