ويتشابه سكان العوالم القطبية من الناحية السلالية، فكلهم من السلالة المغولية ذوي شعر أسود وبشرتهم ليست بيضاء، ولكنهم متفرقون من ناحية اللغة، وهناك أشياء أخرى تفرقهم عن بعضهم غير اللغة، فإلى جانب التشابه العام نجد لكل مجموعة منهم نمط حضاري خاص بها، ويمكن أن يقسموا عموما إلى قسمين: الأول؛ العالم الأمريكي، والثاني؛ الأوروآسيوي، والفارق الكبير بين هذين العالمين هو أن حضارة الأوروآسيويين تقوم أساسا على الصيد البري ورعي الرنة، بينما سكان العالم الأمريكي هم صيادو حيوانات بحرية، لهذا يولي سكان أوروآسيا ظهرهم للبحر، بينما نجد العكس في أمريكا، ولا شك أن هناك استثناءات، ويعطينا ذلك أثر الاختيار الإنساني في هذه البيئة الصعبة الفقيرة، وبذلك فإن أثر هذه البيئة، حتى في أبسط العوالم الحضارية، ليس هو الأثر الوحيد المسيطر. (4-1) العالم الأوروآسيوي
يمتد من النرويج إلى أقصى شرق سيبيريا داخل التندرا، وفي هذه المساحة والمسافة الكبيرة توجد عدة مجموعات متناثرة من القبائل مثل اللاب في شمال النرويج والسويد والساموئيد في شمال أوروبا والأوستياك عند مصب الأوب والتنجس في شمال سيبيريا الغربية والوسطى والياكوت في حوض لينا واليوكاجير شرقي اللينا والتشوكشي في أقصى شمال شرق سيبيريا، وعددهم على وجه التقريب حوالي 30 ألفا، ويتجنب معظمهم الساحل البارد الكثير الضباب، ويتنقلون صيفا من شمال التندرا إلى الحدود الشمالية للتاييجا شتاء، ويسكنون صيفا خياما من الجلد، وفي الشتاء يسكنون حفرا يسقفونها جيدا بالحجارة في مناطق محمية من البرد والعواصف، في الشتاء يجمعون جذورا ودرنات وثمارا، ويجمعون أخشابا يستخدمونها في صنع الأدوات، ويقومون برحلات شتوية وصيفية طويلة على الزحافات.
خريطة رقم (3).
وأهم مميزات حضارة هذه المنطقة تربية الرنة، وهي مصدر هام ومتحرك للغذاء والملبس فضلا عن استخدامها للجر والركوب، والكثير من أوجه استخدام الرنة عبارة عن استعارة حضارية من رعاة الخيل والبقر إلى الجنوب من هذه الأصقاع الشمالية، ويختلف استخدام الرنة من مكان لآخر، واللاب أكثر الناس تطورا في استخدام هذا الحيوان، فهم يحلبونها إلى جانب الاستخدامات الأخرى الكثيرة، وفي شمال سيبيريا تستخدم الرنة للنقل وكوسيلة لصيد الكاريبو البري، وفي شرق سيبيريا ترعى الرنة نصف البرية في قطعان كبيرة، وتستعمل كمصدر للحم والكساء كلما دعت الحاجة، ومن ثم فإن حركة السكان ترتبط بحركة الرنة الفصلية من التندرا المفتوحة صيفا إلى ملاجئ التاييجا شتاء، تماما كما يفعل الرنة أو الكاريبو البري، وفيما يلي نقوم بدراسة مفصلة لقبيلة اللاب في سكندينافيا لتوضيح الظروف الأيكولوجية القطبية على نمط الحياة.
اللاب: رحل الشمال
من الشائع أن البداوة أو الترحل مرتبطة بالمنطقة شبه الجافة في أفريقيا وآسيا، حيث يضطر الإنسان إلى الالتجاء إلى حياة اقتصادية قوامها الرعي؛ لأن الزراعة غير ممكنة - باستثناء الواحات.
لكن البداوة ليست قاصرة على هذا النطاق من العالم، ففي العروض العليا في شمال أوروبا وآسيا تكونت حضارة رعوية نتيجة ظروف البيئة الطبيعة، فالصقيع يمنع الزراعة تماما كما يمنع الجفاف الزراعة في النطاق الجاف، وعلى هذا فبرغم اختلاف البيئة الطبيعية في كل من النطاق الجاف والنطاق دون المداري، إلا أن نمط الرعي المتبدي متشابه وموجود، وبدلا من الجمل والماعز في النطاق الجاف يقوم اللاب برعاية الرنة.
ويمتد وطن اللاب في شمال سكندينافيا من درجة العرض 62 حتى درجة العرض 71، ومن سواحل النرويج الشمالية إلى شبه جزيرة كولا، وعلى هذا تنتشر لابلند في النرويج والسويد وفنلندا والاتحاد السوفيتي، وتنتهي حدود لابلند في سواحل النرويج عند إقليم ترومسو
Tromso ، وفي السويد تحتل لابلند إقليمي نوربوتن فستربوتن، وهناك حد جنوبي يسمى «لاب مارك» حد اللاب، لمنع المزارعين السويديين من التوغل في السويد الشمالية اللابية ومزاحمة اللاب، ومع ذلك يسمح للاب بالمرور جنوب هذا الحد وإلى ساحل البحر، ولهم وحدهم حق الصيد البري وصيد السمك داخل حدودهم.
وسوف نقصر الكلام أساسا على لابلند السويدية، وحدودها الغربية وهي السلسلة الجبلية التي تكون عظمة سكندينافيا الفقرية، وتنحدر هذه السلسلة شرقا في إقليم هضبي يطلق عليه
صفحة غير معروفة