قال شيبة: «أحاديث غلام أعجمي صدقها من صدقها وكذبها من كذبها، وأشاد بها هذا الصابئ الذي تألفه وتكلف به ورقة بن نوفل.»
قال عمرو: «دع ورقة لا تعرض له، فإنه ما علمت لرجل خير.»
قال علي: «توشك والله يا أبا الحكم أن تنحرف مع هذا الرجل عن مألوف قومك.»
قال عمرو ساخرا: «قومي أعز علي من هذا.»
وكانت المائدة قد مدت فأقبل القوم على طعامهم، ومضى عمرو بن هشام في حديثه يقول: «وإصهار محمد إلى خويلد واستئثاره بخديجة ومالها.» قال شيبة: «خير سيق إلى ابن عمك، فما ينبغي أن تنفسه عليه.» قال علي: «لم ينفسه وحده، ولقد شاركه في ذلك كثير من قريش.» قال عمرو: «ولا والله ما غاظني شيء قط كما غاظني احتكام قريش إلى محمد في أمر الركن ورضاها بحكمه، واستئثار محمد من دون قومه بهذا الشرف حين أخذ الحجر بيده فوضعه في موضعه من الكعبة، ونحن قيام ننظر إليه لا نقول شيئا كأنما سكرت أفواهنا، ولا نصنع شيئا كأنما شلت أيدينا.»
قال شيبة: «ما أحببت قط رجلا كما أحببت محمدا في ذلك اليوم! فقد رد عن قومه شرا عظيما.»
قال عمرو: «وما ضقت بشيء قط كما ضقت بمكان عمي الوليد بن المغيرة الذي كان يسلقني بلسانه آنفا. لقد كنت أراه حازما عازما جريئا حين ترددت قريش، يقدم على هدم الكعبة حين أشفق الملأ من ذلك وهو يقول: «اللهم لا ترع فما أردنا إلا الخير» حتى إذا حمل قريشا على ما أراد عجز عن أن يمضي في الحزم إلى غايته، وخلي بين مجد قريش وبين فتى من فتيان بني هاشم يستأثر به من دوننا.»
قال علي: «إنه الحسد يا أبا الحكم، وما علمتك قبل اليوم حسودا.»
قال عمرو: «سمه ما شئت؛ فإني أضمر لهذا الأمين من البغضاء ما لم أضمره لإنسان قط. ولو استطعت ...» ثم سكت قليلا ثم استأنف حديثه فقال: «ومن لي بأن أستطيع!» ثم التفت إلى علي قائلا: «ما علمتني يا علي حسودا، وما عرفت في نفسي حسدا، وإنك لتستطيع أن تملك من الذهب والفضة ما يملأ بين هذين الجبلين، فلن أجد في نفسي من ذلك إلا الغبطة والرضا، ولكن شاة يملكها الأمين تؤذيني وتقض مضجعي كما لو عدا على حر مالي فأخذه قهرا وقسرا.» وطوف الغلمان عليهم بأقداح من خمر بيسان فأقبلوا عليها شرهين إليها، ولكنها لم تكد تصرف عمرو بن هشام عن حديث الأمين وما كان يضمر له من البغض حتى شق على صاحبيه.
4
صفحة غير معروفة