27 / 8 / 1991
ميلاده
أنينها جذبني إلى المكان، كنت مرهقا، نظام العمل الجديد كان يمتصنا إلى آخر قطرة حياة في شراييننا، ولكن سوء الظن بما يكون عليه الموقف، سبب الصرخات والأنين والتوجع المكتوم، هو الذي أعاد لي شيئا من الحياة وجعلني أندفع نحوها كالسهم.
كانت وحدها تحت نخلة أمام دكان مهجور، حولها قاذوراتها، ولو أن الظلمة حالكة في الزقاق إلا أنها كانت تحت شعاع متسلل من لمبة طريق بالشارع العام، مضاءة بالقدر الذي يجعلني أرى وجهها الأغبر وتقلص عضلاته الصغيرة، واحمرار عينيها وهما تضيقان وتتسعان في آلية مؤلمة مثيرة للإشفاق، وكأنها في وحدتها وظلمها تستشفق شياطين الظلمات، انزلقت نظرتي إلى موضع كفتيها، وكانت تضغط بهما بطنا منتفخا تحت أسمال بالية، وعندما رأتني صمتت فجأة وهي تحملق في وجهي بعينين ثابتتين ، ووجه بارد خال من أي تعبير كوجه مومياء فرعونية، ثم قالت بكل براءة: هل تستطيع أن تولدني؟ الطفل سيشقني، سأموت إذا لم تفعل!
قلت لها دون تفكير: لماذا لا تذهبي إلى المستشفى؟!
ابتسمت ابتسامة زيتية داكنة ثقيلة: لا أستطيع المشي، ولا أجرة التاكسي، أيضا لا يمكنني أن أدفع للمستشفى، لا يوجد في الكون شيء من غير «قروش». أصدرت مواء باهتا ثم غابت عن الوعي وهي تهذي كالسكرى، واحترت فيما أفعل وأنا لا أمتلك غير خمسة جنيهات «للباص» العام للبيت، والساعة تشير إلى العاشرة والنصف، بعد نصف ساعة فقط ميعاد حظر التجوال، ولأنني مرهق من جراء كنس السينما وغسلها؛ لا أستطيع حملها على ظهري، ولو حملتها فلا يمكن أن يقبلها المستشفى، ولا يوجد مستشفى لله في هذا البلد.
هم في نفسي صوت لم أستطع أن أتبينه؛ أصوت ملاك هو أم صوت شيطان رجيم. - ما لك أنت؟ ربها اللي خلقها قادر على أن يجد لها مخرجا، اقدر على نفسك أنت. نصف ساعة وحظر التجوال، الحق آخر باص، وغدا الصباح تعال لتجدها قد أنجبت صرصورا كبيرا قابعا قربها يستكشف العالم من حوله بقرني استشعار وعينيه اللامعتين.
خطرت لي فكرة، وهي أن أحاول حملها إلى رصيف الشارع العام، ربما وجدتها الدورية، أخذتها إلى الحبس وأحضرت لها قابلة أو طبيبا على نفقة الحكومة.
أخذنا جند «الحظر» معا.
ربما كان الطبيب على شيء من الحق.
صفحة غير معروفة