يمط بها صوته في غناء وترتيل، كأنما يسبح لأذان الفجر ...
وقهقه السلموني ضاحكا حتى كاد يندلق بطنه.
واختنق أرقم بالغضب، وثار لشيخه ولنفسه فهم بأمر، ثم تمتم بكلمات خافتة وتهيأ للانصراف.
قال المسيخ الثاني معين الدين بن شمس نائب وكيل بيت المال: لقد أفحشتم والله على الرجل، وتناولتموه وشيخه بما لا يحق لكم، وليس لي مقام معكم إلا أن تسترضوه ليعود إلى مجلسه منكم.
قال تقي الدين: أما والله لو لحقت به لطاب لنا المجلس، وما تنغصت ليلتنا إلا بيمن طلعتك وبركات شيخه، ذلك الذي يريد أن يكون بين الأمراء أميرا، وبين الصوفية شيخا، وبين المغنين عازف طنبور ...
قال السلموني: لا يا تقي الدين، حتى هنا ولا آذن لك ... أفلا يسلم من لسانك أحد، حتى ولا الشيخ أبو السعود الجارحي! اتق الله في أعراض الناس يا تقي الدين!
وكان أرقم قد مضى غير بعيد، فلحق به معين الدين وجمال الدين السلموني؛ ليسترضياه ويعودا به، وبصر به طومان فابتسم له ابتسامة رقيقة ودعاه إلى مجلسه، فعاج عليه وجلس منه غير بعيد، ثم لم يلبث جمال الدين السلموني وأصحابه أن انضموا إلى حلقة طومان يشاركون في الحديث ... وكأنما أعداهم - وكلهم شيوخ - وقار ذلك الشاب النبيل الطلعة، فنسوا ما كانوا فيه من المزاح والدعابة، وأخذوا في حديث جد خطير ... إلا رجلين اثنين: هما المؤذن شهاب الدين المحلاوي، وأرقم المسيخ. أما الأول فقد تعلقت عيناه بالفتى الجميل يسرحهما في مفاتن طلعته، فلم يسمع حرفا واحدا من كل ما تتحدث به الجماعة. وأما أرقم فظل طول الوقت صامتا ينظر ويسمع، فلم تفته كلمة ولا حركة، ولكنه لم ينبس بحرف ...
وتهيأ المجلس للانصراف، فمال المؤذن الماجن على أذن أرقم يقول عابثا: عذرتك يا أرقم وكنت عاذلا، فلو كان بين نسائي المائة واحدة في مثل جمال صاحبك لما رعتها بضرة ...
فثار به أرقم صائحا في غضب: اخسأ! عليك وعليك ... أيها الفاسق الملعون!
ولكن المؤذن كان قد فر من بين يديه قبل أن تناله لطمته!
صفحة غير معروفة