كان هناك الأمير تمراز، والأمير أزبك، وأقبردي الدوادار، وقنصوه الخمسمئي، وكان هناك الصبي محمد بن قايتباي، وكان هناك قنصوه الغوري ...
كل أولئك كانوا يطمعون في عرش قايتباي من بعده، ويتربصون به ... ولكن اثنين منهما كانا يتعجلان النهاية ليبلغا العرش قبل الأوان، هما أقبردي الدوادار، وقنصوه الخمسمئي.
أميران يملكان المال والعتاد، ولكل منهما جيش من المماليك والأتباع، وله في قلوب الشعب مكان. وكانت المنافسة بينهما سافرة حينا، ومنتقبة أحيانا، والسلطان الشيخ يرى ويسمع ولا يكاد يصنع شيئا.
وكانت نذر الحرب بين قايتباي وجيرانه تترادف عليه مع البريد يوما بعد يوم؛ فهناك ابن عثمان صاحب بلاد الروم، وإسماعيل الصفوي سلطان العجم، وجند سوار صاحب مرعش وديار بكر، وقراصنة البحر من الفرنجة ... وولده الذي يريد أن يورثه العرش لم يزل صبيا لم يبلغ حد التمييز ...
لا بد من مماليك جدد يتكثر بهم من قلة ويتقوى من ضعف، ولا بد لذلك من مسالمة ابن عثمان ملك الروم!
وخرج جاني بك حبيب - سفير الأشرف قايتباي - إلى ملك الروم في هدية حافلة، ساعيا في الصلح بينه وبين سلطان مصر والشام والحرمين: الأشرف قايتباي.
ونجحت السفارة، وأطلق ابن عثمان من في حبسه من تجار الرقيق المصريين، وخرج جقمق الأشرفي من بلاد الروم ومعه غلمانه الثلاثة: طومان، ومصرباي، وخشقدم الرومي. وانتهى إلى حلب، فحط رحاله يستريح أياما، ويستروح نسيم الحرية في أرض مصرية، بعد أن لبث سنتين أو يزيد معتقلا في بلاد الروم! وكان قنصوه الغوري وقتئذ نائب قلعة حلب!
هذه مدينة حلب ... أولى مدائن الشام مما يلي بلاد الروم، حيث يلتقي كل يوم مئات من الغرباء على غير ميعاد، ويفترقون إلى غير معاد ...
وهذا جقمق الأشرفي يسوق غلمانه إلى خان مسعود، حيث يأمل أن يجد مأوى مريحا وطعاما شهيا، ومن ذا يقصد مدينة حلب من الغرباء ولا يلتمس الراحة في خان مسعود؟!
ولكن خان مسعود كان في ذلك اليوم غاصا بنزلائه، فليس فيه غرفة واحدة خالية من النزلاء ليأوي إليها جقمق وغلمانه، فبينما هو يهم بالرجوع ليلتمس ضيافة عند بعض أصحابه في المدينة، إذ دعاه صاحب الخان وعرض عليه أن يشارك بعض النزلاء في غرفته ريثما تخلو له غرفة أخرى، فأجابه جقمق وحط رحاله، وكان شركاؤه في الغرفة الكبيرة التي تطل شرفاتها على الدرب الواسع هم ملباي الجركسي وأولاده.
صفحة غير معروفة