وتراكمت في الأفق سحب الكآبة، واشتد النزاع بين الملك وولي العهد. وأخيرا استدعاني الملك وقال: أرى أن يقوم الأمير برحلة في أرجاء الإمبراطورية ليخبر بنفسه الحياة والناس ...
فقلت باقتناع: فكرة طيبة يا مولاي!
كان الملك يقضي في ذلك الوقت أسعد أيامه الأخيرة مع عروس في سن أحفاده هي تادوخيبا بنت توشراتا ملك ميتاني، وإن كانت وبالا على صحته! أما إخناتون فقد غادر طيبة مصحوبا ببعثة من صفوة الرجال. كانت رحلة عجيبة حافلة بالإثارة. سعى إلى عبيده في الميادين والحقول ملقيا عليهم مودة وبشاشة أذهلتهم، وكانوا ولا شك يتوقعون أن يمثلوا بين يدي إله جبار ينظر إليهم من عل، أو لا ينظر إليهم على الإطلاق. ودعا إلى لقائه رجال الدين في الولايات المختلفة، ولم ين عن تسفيه عقائدهم وإدانة الطقوس التي تبيح تقديم قرابين من البشر. وبشر بإلهه الواحد؛ القوة الكائنة في قلب الوجود، الخالقة للجميع على سواء، والتي لا تفرق بين رعاتهم ونبلاء مصر. كما دعا إلى الحب والسلام والسرور مؤكدا أن الحب هو قانون الحياة، وأن السلام هو الهدف، وأن السرور هو شكر المخلوق لخالقه.
في كل مكان أثار الذهول والانفعالات الجنونية. وبلغ مني الذعر مداه، فقلت له: أيها الأمير، إنك تقتلع الإمبراطورية من جذورها، وتنثرها في الهواء.
فتساءل ضاحكا: متى يدخل الإيمان قلبك يا معلمي؟
فقلت بمرارة: لقد هاجمت الديانات التي جرى أجدادي على احترامها، وأعلنت المساواة والحب والسلام، ولن يعني هذا بالنسبة للرعايا إلا فتح باب التمرد وشق عصا الطاعة ...
وتفكر مليا ثم تساءل: لماذا يؤمن العقلاء بالشر بكل هذه القوة؟!
فقلت بتسليم: نحن نؤمن بالواقع.
فقال باسما: يا معلمي، سأعيش في الحق إلى الأبد ...
وإذا برسول يلحق بنا وينعى إلينا الملك العظيم أمنحتب الثالث. •••
صفحة غير معروفة