ورى الأخباريون أن هند بنت أسماء بن خارجة كانت تحت الحجاج وأنه اشتاق ذات ليلة إلى حديث أخيها مالك بن أسماء، وكان الحجاج قد حبسه بمال عظيم، فأرسل إليه فأخرج من السجن، وأدخل عليه في قيوده وهند عنده، فجعل يحدثه، ثم إن مالكا استسقى ماء فأتي بماء، فنظر إليه الحجاج فقال: لا والله لا تشرب إلا من ماء أهل السجن!.. فأتي به، وكان الحجاج يأمر فيخلط لأهل السجن في الماء الرماد والملح. ثم إن الحجاج قال لهند: قومي إلى أخيك قالت: لا أقوم إليه والأمير ساخط عليه. فأقبل الحجاج على مالك فقال: والله ما علمت أنك للخائن أمانته، اللئيم حسبه، الزاني فرجه. قال مالك: إن أذن الأمير تكلمت. قال: تكلم!..
قال: أما قول الأمير: الزاني فرجه، فوالله/ لأنا أحقر عند الله، وأصغر في عين الأمير من أن يجب لله علي حد فلا تقيمه علي. وأما قوله اللئيم حسبه، فوالله لو علم الأمير مكان رجل أشرف مني لصاهر إليه. وأما قوله: الخائن أمانته، فوالله لقد ولاني الأمير فوفرت، فأخذني بما أخذني، فبعت ما وراء ظهري. ولو ملكت الدنيا بأسرها لافتديت بها من مثل هذا الكلام.
قال: فنهض الحجاج وقال: شأنك بأخيك. قال: فوثبت هند إلى مالك فأكبت عليه، ودعت الجواري فنزعن عنه الحديد، وأمرت به إلى الحمام وكسته، وانصرف فلبث أياما، ثم دخل على الحجاج وبين يديه عهود، فيها عهد ملك على أصبهان، فقال له: خذ هذا وامض إلى عملك. قال مالك: فأخذته ونهضت!.. وهي ولايته التي عزل عنها، وبلغ ما بلغ من الشر.
صفحة ٣٨٤