فإذا كان الفقير على غير الاستواء ثم دفع صاحب الزكاة إليه شيئا من المال، فقد قواه على فسقه وفجوره وطغيانه، وكان له شريكا في عصيانه، كدأب الذين يعينون الظالمين، ويقيمون دولتهم بزرعهم وتجارتهم، وينصرونهم على قتل المسلمين وهتك حريمهم وأخذ أموالهم ، ولولا التجار والزارعون ما قامت للظالمين دولة، ولا ثبتت لهم راية، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } [هود:113]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله بعثني بالرحمة والملحمة، وجعل رزقي في ظلال رمحي، ولم يجعلني حراثا ولا تاجرا، ألا إن شرار عباد الله الحراثون والتجار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق.))؛ لأن الحراثين يحرثون والظالمين يلعبون، ويحصدون وينامون ويجوعون ويشبعون، ويسعون في صلاحهم وهم يسعون في هلاك الرعية، فهم لهم خدم لا يؤجرون، وأعوان لا يشكرون، فراعنة جبارون، وأهل خنا فاسقون، إن استرحموا لم يرحموا، وإن استنصفوا لم ينصفوا، لا يذكرون المعاد، ولا يصلحون البلاد، ولا يرحمون العباد، معتكفون على اللهو والطنابير، وضرب المعازف والمزامير، قد اتخذوا دين الله دغلا، وعباده خولا، وماله دولا، بما يقويهم التجار والحراثون، ثم هم يقولون: إنهم مستضعفون، كأن لم يسمعوا قول الله تبارك الله وتعالى فيهم وفيمن اعتل بمثل علتهم؛ إذ يحكي عنهم قولهم: { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا } [النساء:97]، وقال سبحانه: { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة } [النساء:100]، يقول: من هاجر من دار الظالمين ولحق بدار الحق والمحقين، رزقه الله من الرزق الواسع ما يرغم أنف من ألجأه إلى الخروج من وطنه، وذلك ما يروى عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أنه كان يقول: ((يروى أن الله عز وجل يجعل أعوان الظالمين يوم القيامة في سرادق من نار، ويجعل لهم أظافير من حديد يحكون بها أبدانهم حتى تبدوا أفئدتهم فتحترق، فيقولون: يا ربنا ألم نكن نعبدك؟ قال: بلى، ولكنكم كنتم أعوانا للظالمين.))، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ملعون معلون من كثر سواد ظالم)).
وفي معاداة الظالمين ما يقول الله عز وجل: { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } [الممتحنة:4]، فباين إبراهيم والذين معه آباءهم وأبناءهم وإخوانهم الذين باينوا الله بالعداوة، وكذلك يجب على كل مؤمن أن يقتدي بفعلهم.
صفحة ٩٩