105

عذراء قريش

تصانيف

فضحك سعيد وقال: «لا تغضبي يا حبيبتي، فإني لم أفعل شيئا يغضبك ولكنني أسترضيك وأستعطفك، فأفيقي من غفلتك ولا ترفضي نعمة أنعم الله بها عليك.»

قالت وهي تتحفز للخروج من الهودج: «إذا كنت تزعم أنك تريد رضاي فاعلم أنك تطلب عبثا، وإذا حدثتك نفسك بوطر تبغيه فاعلم أنها تحدثك باطلا وأن احتراقي في هذه النار أيسر مما تدعوني إليه.»

فقال وقد حار في أمره وهو يكظم غيظه ولا يزال يرجو رضاها: «تمهلي يا حبيبتي وتبصري فيما أقوله لك، ولا ترفسي النعمة التي أعرضها عليك باسم الحب.»

فقالت بنغمة جافية: «لا تنطق بالحب فإنك تتكلم باطلا، ولا تستعظم قوتك وتستكثر رجالك فإن ذلك لا يرهبني.» •••

ولما رأى سعيد من أسماء هذا الإصرار، وقف على قدميه بغتة وصاح فيها صيحة دوت في ذلك الليل الهادئ وانتهرها قائلا: «أراك قد بالغت في القحة، واستخففت بي وإنك تعلمين أنك أسيرة بين يدي!» قال ذلك وأمسك بيديها، فانتفضت من بين يديه ورفسته برجلها فألقته على الأرض وأعرضت بوجهها عنه.

فهب من وقعته وصاح برجاله فتجمهروا حول أسماء وقبض بعضهم على يديها وبعضهم الآخر على كتفيها، فتملصت من بين أيديهم وصاحت فيهم قائلة: «عار عليكم وأنتم رجال مسلحون أن تتجمهروا على فتاة عزلاء!»

فصاح سعيد فيهم: «قيدوا هذه الخائنة وشدوا ساعديها!»

فقالت: «ما الخائن إلا أنت يا نذل، أتظن أن القيود تقيد شيئا من حريتي؟» وهمت بعصا من عصي الهودج استلتها في وجوه الرجال فتفرقوا أمامها تهيبا من منظرها ورفقا بها، فوبخهم سعيد وحثهم فعادوا وتكاثروا عليها وهي تحاول دفعهم، فعثرت رجلها بعقال الجمل فوقعت على الأرض فأسرعوا إليها وشدوا وثاقها، وهي لا تبالي بما يفعلون وسعيد واقف ينتفض غيظا، وأمرهم أن يلقوها في الهودج ويربطوها به ففعلوا.

فلما أيقنت بالخطر القريب ترقرقت الدموع في عينيها وصاحت: «آه يا محمد! أين أنت؟! يا ويل الأنذال اللئام الذين لا ذمة لهم ولا ذمام!»

فلما سمعها سعيد تنادي محمدا ضحك ضحكة تخالطها رعدة الغضب وقال: «لا تذكري محمدا ولا ترجي نجاة من هذا الأسر!» ثم أمر رجاله فتفرقوا، ودنا منها وعاد إلى الملاينة فقال: «كيف أنت الآن؟ ألا ترجعين عن غيك؟ إنك أسيرة بين يدي وحياتك رهن إشارتي إلا إذا أجبت طلبي فتصيرين أنت الآمرة الناهية، قولي إنك رضيت بي، قولي إنك تحبينني وكفى.»

صفحة غير معروفة