ثم إنه عرضها على نائب الملك ووكيل المتهم، ليطلعا عليها، فأخذ كل واحد منهما يزيف شهود الآخر، ويبطل شهادتهم شفاها وبالكتابة، وبعد ذلك عرضت عليهما القوانين ليستعينا بها ، فعمل كل منهما نتيجته وعرضها على صاحبه ليطلع عليها، ويبدي ملاحظاته الأخيرة بشأن ما جاء فيها، ثم وقع على الأوراق ووقع الشهود معهم، ورفعاها بعد ذلك إلى هيئة المحكمة لتصدر حكمها في القضية، فلبثت المحكمة في المداولة نحو ساعة من الزمان، حتى إذا درست القضية حق دراستها، ولم يبق غير الحكم زحزح الرئيس كرسيه قليلا، ثم قبض على صورة الحق المعلقة في عنقه، والتفت نحو نائب الملك فأيقن الحاضرون عندئذ بأنه صاحب الحق، وأن التهمة قد ثبتت على «رادريس»، ولكنه ما هم أن يصوب الصورة إلى «ندور»، حتى سمع من جوف القاعة صوت كادت تنكفئ له سماء البنيان على أرضه، وهو يصيح لا تصوب الصورة أيها الرئيس، وخذ هذا الملف فانظره، فإن فيه وحده الحقيقة كل الحقيقة، فتفرغ لذلك القضاة والتفت الناس وطالت أعناق وقصرت أعناق، وابيضت وجوه واسودت وجوه، ثم لم يدر الرئيس إلا بشيء قد سقط بين يديه، مقذوفا به من جهة الصوت، فالتقفه، وإذا هو ملف كما أخبر الصوت ومعه ورقة موقع عليها من أربعة من أبناء الكبراء، وهذه الورقة مكتوب فيها:
بينما كنا نحن أصحاب التواقيع نتنزه في النيل، في سحر ليلة كذا صادف مرورنا سقوط هذا الملف من بعض نوافذ الجهة المطلة على النيل، من معسكر الحرس فتلقفه الزورق، فنحن نقدمه لهيئة المحكمة خدمة للحق ونتكل على عدالة أحكامها، في جميع الأسرار التي يهدي هذا الملف لمواضعها، من قضية البطل الشريف «رادريس».
التواقيع
فلما قرأ الأمير الرئيس ما في الورقة، وكان يعرف تلك الأسماء ويعهد في أصحابها الصدق والنزاهة، ابتدر فض الملف وكان يشتمل على نحو خمس عشرة ورقة، فقرأها ثم أعاد قراءتها، حتى إذا لم يبق عنده أدنى شك في صحتها وصدورها من أصحابها الموقعين عليها، وقف والبشر ملء جبينه، وجلال الحق يحف به، من كل الجهات فقال: نحن النجل الثاني بصفتنا رئيسا لهذه الجلسة المخصوصة المنعقدة بأمر جلالة مولانا ووالدنا الملك، بناء على ما وفقنا للوقوف عليه من الأسرار في هذا الملف، الذي لا ينبغي أن يسبق الجمهور جلالة الملك إلى العلم بمشتملاته.
واتباعا لنصوص قوانين جلالة الملك، المؤسسة على الحكمة والعدالة حكمنا ...
أولا:
بإلغاء التحقيق السابق برمته.
ثانيا:
بتبرئة ساحة البطل الموقر قرين صبا الملك، وعفريت الحبشة، ومدوخ أفريقيا، القائد «رادريس» الحارس الأول لسعادة الأمير «آشيم» ولي عهد جلالة الملك، مع تفويض الرأي في التعويضات المستحقة للقائد المشار إليه إلى عدالة ومكارم حكومة الملك.
ثالثا:
صفحة غير معروفة