رأيت ملكا بلا استقامة
لا صدق فيه ولا سلامة
فعفت باب الأمور حتى
خرجت بالعز والكرامة
والحر في حيثما تولى
يقوم للخلق بالخدامة
قال: نعم، هو ذاك الشهم بعينه، وإني ليعجبني له قوله في خطبته المشهورة التي ألقاها على جيوشنا المظفرة بالحبشة: «أيها الجند، أنتم منذ كنتم آباء التاريخ وأصحابه، وإليكم ينتهي كتابه، فإياكم أن تعطوا العدو منه سطرا واحدا، فما خلق الذل إلا لأمة ذات مجد غابر لا تستحيي من تاريخها.»
ثم ما زال الأمير وصاحبه يمجدان الحارس الأول في غيبته، ويتذكران الكثير الطيب من سيرته، وقد خدعهما الحديث كعادته، فلم يدريا إلا بباب طيبة يلوح لهما كأنه الطود الشامخ أو البرج المشيد الباذخ، وهنالك انتحيا طريقا مختصرا إلى قرية البشنين، فاندفعا يسيران، وكانت على ذلك المكان، شجرة ملتفة الأغصان، متكاثفة الأفنان، كأنما أرضعت الزمان، فلما صارا على خطوات منها ألفياها تموج، وآنسا عندها حركة فارتابا لأول وهلة، وارتاعا لما عسى يكون وراء الظلام، ولكن العبد كان قد بلغها قبلهما فوقف، ثم التفت وراءه ينادي: ليقبل مولاي في أمان، فإنهم رجاله ينتظرون قدومه، فأقبل الأمير، وإذا «رادريس» يتقدم للقائه، فقبل يده ثم دعاه و«بنتؤر» ليترجلا، ففعلا، وانثنى الأصحاب الثلاثة إلى الشجرة فلبثوا فيها برهة من الزمان، ثم برزوا في زي غير السابق المعتاد، وعلى جياد غير تلك الجياد، وعندئذ مشى العبد وسائر الرجال بالثياب والخيل، راجعين إلى المدينة، وسار الأمير وصاحباه لما هم إليه قاصدون.
الفصل الخامس
عذراء الهند في الطريق
صفحة غير معروفة