كان مجمع «17-بي» مجهزا بمنصة إطلاق، ومبنى مراقبة، ومنصة شاهقة مطلية بخطوط حمراء وبيضاء اللون لاستخدامها كنقطة مراقبة لمنصة الإطلاق. ولم يكن لدى أي من العاملين في دوجلاس أية خبرة في تصميم أبراج المراقبة، بيد أن ذلك لم يقلق المسئولين عن عمليات الإطلاق؛ فقد قال دولف ثيل: «ليس أمامنا وقت كاف لوضع تصميم برج مراقبة؛ لأننا نريد أن نجري عملية الإطلاق في الفترة ما بين شهري نوفمبر ويناير. دعونا نفحص تصميمات أبراج المراقبة المتوافرة لدينا بالفعل.» ونفى أحد الزملاء، وكان يدعى الكولونيل جيك، وجود ضرورة لذلك؛ حيث قال: «يوجد برج مراقبة مكتمل التصميم يستخدم لمراقبة عملية إطلاق الصاروخ «ردستون»، وليس عليك إلا اقتراض مجموعة من تصميمات أبراج مراقبة ردستون وبناء مثلها.» ورأى ثيل أن ذلك سيجعل موقع الاختبارات مزدحما، وإن كان حلا يفي بالغرض.
لم يجر طاقم العمل في موقع كيب كانافيرال أي عملية إطلاق خلال عام 1956، لكنهم كانوا يقتربون من ذلك. ونصب الصاروخ 101 على منصة الإطلاق في 20 ديسمبر، لإجراء عملية إطلاق استاتيكية للتأكد من جاهزية الصاروخ لعملية الإطلاق النهائية، لكن المحرك لم يعمل بسبب وصلة كهربائية صغيرة، إلا أن ذلك لم يفسد على أحد بهجة الاحتفال بعيد الميلاد. وخلال عام 1957، نجح الصاروخ «ثور» في الانطلاق بالفعل، وتلاه الصاروخ «جوبيتر»، ثم «أطلس»، ثم «فانجارد». وكان سيرجي كوروليف في موقع تيوراتام يجري استعدادات مماثلة لإطلاق صاروخه طراز «آر-7».
الفصل الخامس
«الروس يحرزون السبق!»
بدء السباق نحو الفضاء
كان فيرنر فون براون يجيد فن إقناع الآخرين بما يريد، ويتحدث بول كاستنهولتس عن هذا قائلا: «كان يبدو دائما أكبر سنا مما هو عليه، وكان ينظر إليه باعتباره صاحب خبرة طويلة، ورؤية ثاقبة، وكانت تحيط به هالة تضفي عليه طابعا من المصداقية. وكان كثير المطالعة ولديه اهتمام بالكثير من المجالات، ويحب الغوص والطيران. كان رجلا محبا للانطلاق رافضا للقيود.» ويصفه سام هوفمان بأنه «شخص أنيق وجذاب، وصاحب كاريزما عالية، وشخصية قيادية. وكان وسيما، وذكيا، وينتمي إلى الصفوة.»
كان فون براون صاحب حضور قوي أيضا، ويتحدث أحد زملائه في هانتسفيل عن ذلك قائلا: «أقمنا حفلا في إحدى الأمسيات، وكان يحضرها نحو مائة شخص يتعارفون ويتجاذبون أطراف الحديث بينهم. وكان فون براون آخر من وصل إلى الحفل، وعندما دخل بصحبة زوجته ماريا، توقفت جميع الأحاديث؛ أراد الجميع أن يسمعوا ما كان سيقوله.»
1
مع ذلك، لم تشفع له أي من هذه الخصال في أواخر نوفمبر 1956، عندما أصدر وزير الدفاع ويلسون قرارا بشأن الأدوار والمهمات الخاصة بأسلحة القوات المسلحة الثلاثة، فيما يخص مجال الصواريخ البعيدة المدى. وبموجب هذا القرار، صار مسموحا للجيش بنشر صواريخ يصل مداها إلى مائتي ميل، وهو نفس مدى الصاروخ «ردستون»، لكن أي صواريخ أخرى تتخطى هذه الآماد أصبحت تقع ضمن نطاق مسئولية القوات الجوية. وأشار الجنرال مداريس إلى القرار باعتباره «نصرا مؤزرا» لسلاح القوات الجوية المنافس. وكان مدى الصاروخ «جوبيتر» 1500 ميل، ومن ثم فإنه كان يتجاوز كثيرا الحدود المسموح بها داخل الجيش.
وبحدوث هذا التطور في الأحداث، يكون فون براون قد تلقى أربع ضربات في أقل من عامين؛ فقد روج الصاروخ «جوبيتر» للقوات الجوية في أوائل عام 1955، لكنه تلقى رفضا فظا ومباشرا؛ وخسر عرض قمر «آي جي واي» الصناعي، مشروع المركبة المدارية، المنافسة أمام عرض الصاروخ «فانجارد» المقدم إلى البحرية؛ وعرقلت البحرية أيضا خطة لإطلاق الصاروخ «جوبيتر» من غواصات بحرية؛ وها هو وزير الدفاع ويلسون يصدر قرارا لا يحق بموجبه استخدام صاروخه من قبل الجيش.
صفحة غير معروفة