في ذلك الحين، كان يفصل القوات الجوية ثلاث سنوات فقط عن التعهد ببناء الصاروخ «أطلس » الباليستي العابر للقارات، وإيلائه أعلى مراتب الأولوية العسكرية.
الفصل الثالث
السباق إلى أرماجدون
القوى العظمى تطلق إشارة بدء برامج الصواريخ
في نهاية الحرب، تسيدت القوة الجوية والبحرية الأمريكية العالم مثل كيان ضخم لا تخطئه عين. كانت قاذفات القوات الجوية التابعة للجيش، بمساعدة البحرية الأمريكية، قد كسرت إرادة اليابان وأرغمتها على الاستسلام دون أن تطأ أراضيها قدم جندي أمريكي واحد. وكان ستالين يمتلك أقوى جيش في العالم استطاع أن يسحق النازيين، لكنه لم يكن يمتلك أي قوة بحرية أو جوية يستطيع التحدث عنها، وكان يخشى أن تستخدم أمريكا القنبلة الذرية لشن حرب ضد بلاده، وكان في حاجة إلى أسلحة نووية وقاذفات بعيدة المدى، لكنه كان يعاني نقصا شديدا فيها، ورغب بشدة في كسر احتكار أمريكا للأسلحة النووية.
في سعيه إلى تحقيق هدفه، أظهر ستالين طريقة التفكير الأحادية نفسها التي بنى من خلالها القاعدة الصناعية التي دعمت جيشه، وصرح قائلا بعد إطلاق أولى خططه الخمسية في عام 1928: «إن تباطؤ الخطوات يعني التخلف عن الآخرين، ومن يتخلف يهزم. لا نريد أن نهزم. لا، لا نريد أن نكون مهزومين. إننا متخلفون عن ركب البلاد المتقدمة بخمسين أو مائة عام، ويجب أن نعوض هذا التأخر خلال عشر سنوات؛ إما أن ننجح أو يسحقونا.»
1
لتعويض التأخر، قبل الحرب، اعتمد ستالين بشدة على التجسس الصناعي، وعملت آمتورج - وهي منظمة تجارية في نيويورك - كواجهة للشرطة السرية الروسية في هذا الصدد. ونظرا لأن الاتحاد السوفييتي لم يكن يمتلك أي صناعة حديثة في البداية، لم تكن غالبا العمليات التي أراد ستالين الكشف عنها سوى عمليات أساسية في حقيقة الأمر؛ إذ لم تكن تتضمن هذه العمليات أكثر من إنتاج عناصر كيميائية صناعية شائعة. وكانت العمليات المطلوبة متوافرة للشراء مقابل الحصول على ترخيص، لكن موسكو كانت تعاني نقصا في احتياطي العملة الصعبة؛ ووفر التجسس الصناعي تكلفة دفع رسوم ترخيص.
عندما حلت الحرب، قدم جواسيس ستالين في المجال الصناعي قاعدة قوية له، استطاع من خلالها الكشف عن أسرار جهود بناء القنبلة الذرية الأمريكية ، واستحوذت الشرطة السرية الروسية على حوالي عشرة آلاف صفحة من الوثائق الصناعية. ومع ذلك، عجز مدير البرنامج الذري الروسي، إيجور كرتشاتوف، عن الحصول على التمويل اللازم الذي يسمح له باتخاذ الخطوات الأولى المكلفة نحو بناء الأسلحة؛ فقد كانت احتمالات بناء قنبلة ذرية غير مؤكدة على نحو كبير أعاق تبرير توفير دعم مالي كبير.
في نهاية الحرب، أدرك كرتشاتوف ما يتعين عليه فعله، فقد درس بعناية مجموعة التقارير القيمة المسروقة التي حصلت عليها الشرطة السرية؛ لكن لم يكن لديه ما يفعله بهذه التقارير. ثم جاءت واقعتا هيروشيما وناجازاكي، اللتان سرعان ما زادتا المخاوف من الأسلحة النووية إلى أعلى المستويات، واستدعى ستالين المسئولين المختصين وقال: «أسألكم طلبا واحدا، أيها الرفاق. وفروا لنا أسلحة ذرية في أقرب وقت ممكن. اصنعوا القنبلة؛ إنها ستزيح عنا خطرا داهما.»
صفحة غير معروفة