في مشروعات تطوير الصواريخ المبكرة، كانت أعطال مضخة الأكسجين غالبا ما تتسبب في انفجار الموتور. كان المحرك الرئيسي للمكوك الفضائي أكثر قوة. لاحتواء ضغطه العالي، بني بسمك قوي مما يجعل انفجاره نادرا، ولكن احتمال اشتعال النيران فيه كان أمرا واردا، وقد حدث بالفعل. كان مصنوعا من النحاس والنيكل والصلب؛ المواد التي لا نعتبرها من المواد المسببة لمخاطر الحريق. لكن، عند درجات الحرارة ومستويات الضغط الخاصة بالمحرك الرئيسي للمكوك الفضائي - في وجود الأكسجين السائل - يمكن لأي شيء أن يحترق فعليا. تؤدي هذه الحرائق عادة إلى تدمير جانب كبير من المحرك، حتى إنه يصعب اكتشاف الجزء الذي تعرض للتلف على وجه التحديد، أو التسلسل الذي انتشرت به النيران.
كانت مضخة الأكسجين التوربينية تعاني من مشكلتين رئيسيتين؛ استغرقت المشكلة السهلة ستة أشهر لاكتشافها والتوصل إلى حل لها. كانت هذه المشكلة عبارة عن مانع تسرب سريع الدوران يؤدي إلى فصل الأكسجين السائل عن الغازات الساخنة في التوربين. كان من المفترض أن يدور مانع التسرب دون احتكاك ، لكنه كان يتلامس مع جزء آخر في المحرك؛ أدى هذا التلامس إلى توليد حرارة بفعل الاحتكاك، وهذه الحرارة كانت كافية لإشعال المعدن، مثلما يحدث عندما يشرع فريق كشافة في إشعال نار عن طريق حك اثنتين من العصي معا. في النهاية، عالجت «روكيت داين» هذه المشكلة بنجاح عن طريق اختيار نوع مختلف من موانع التسرب.
تمثلت المشكلة الأصعب في أن محامل مضخة الأكسجين التوربينية كانت تعطل على نحو متكرر وتحترق عن آخرها. في النهاية، أثمرت مجموعة من الحيل المتنوعة في علاج المشكلة. أعيد تصميم عمود إدارة التوربين لتحقيق مستوى أفضل من التوازن. مثلما يتلف إطار سيارة غير متوازن سريعا، تلف عمود إدارة التوربين غير المتوازن بالقدر الكافي، الذي يدور بسرعة 31 ألف دورة في الدقيقة، على نحو أسرع مما ينبغي، متسببا في تعطل الوحدة وتوقفها عن العمل. لم يكتف المصممون بإعادة توازن عمود الإدارة فحسب، بل عملوا على تقوية دعائم المحامل وتعزيزها. أخيرا، عمدوا إلى تكبير حجم المحامل وحلقاتها الداخلية، أو حواملها، وأعادوا بناءها بحيث تحمل أحمالا أثقل. بعد عام ونصف عام، نجحت محامل المضخات التوربينية هذه في اجتياز الاختبارات.
حدث آخر عطل في محامل المضخة في مارس 1977، وبحلول ذلك الوقت كان برنامج المكوك الفضائي بأكمله يواجه صعوبات جمة. منذ البداية، كان تمويل البرنامج يعتمد على قدر كبير من التفاؤل، حيث كان يفتقر إلى الاحتياطات المالية التي يمكن من خلالها التعامل مع المشكلات الرئيسية، ولم يتحسن الوضع كثيرا عندما فرض مكتب الإدارة والموازنة استقطاعات تجاوزت 300 مليون دولار أمريكي. وكرد فعل على ذلك، وضعت ناسا استراتيجية عنوانها «الإدارة الموجهة نحو النجاح»، كانت توحي في ظاهرها بالأمل لكنها تضمر في باطنها اليأس. على عكس قانون ميرفي القائل بأن أي شيء سيئ تتوافر الإمكانية لحدوثه سوف يحدث، افترض هذا الأسلوب أن كل شيء سيسير على ما يرام. على حد تعبير أحد المسئولين، «يعني الأمر أن تصمم كل شيء في إطار التكلفة المرصودة له، ثم تدعو أن يتم بنجاح.»
ترجع جذور هذا الأسلوب إلى أسلوب الاختبار الشامل في مشروع «أبولو»، الذي استخدم في إطلاق الصاروخين «ساتورن آي-بي» الكامل و«ساتورن 5» المتعددي المراحل، في محاولات إطلاقهما الأولى. مع ذلك، انبثق أسلوب الاختبار الشامل عن الثقة الناشئة عن الاختبارات التمهيدية الموسعة، في إطار برنامج ممول بسخاء استطاع التغلب على مشكلاته. على النقيض من ذلك، انتهى المطاف بأسلوب الإدارة الموجهة نحو النجاح بما يشبه تطوير روسيا لصاروخها القمري «إن-1». بالنسبة إلى المحرك الرئيسي للمكوك الفضائي، كان الأمر يعني اختبار محركات كاملة قبل ثبوت فعالية مكوناتها الرئيسية، مع تقليل قطع الغيار المستخدمة. مثلما أشارت مجلة «ساينس» إلى الأمر، فإن «روكيت داين» «قد أنشأت كل شيء وفق تصميم جديد، وجمعت كل الأجزاء معا، وأدارت الزر وهي تأمل أن يكتب لها النجاح والتوفيق. ومع ذلك، وقعت خمس حرائق كبرى على الأقل».
كانت خطة التطوير الأصلية في عام 1972 تقتضي إطلاق المكوك الفضائي في أولى رحلاته المدارية في مارس 1978. لكن بحلول ذلك الشهر، كانت المحركات في مرفق اختبار المسيسيبي ولم تكن حالتها تسمح بإجراء أي شيء. ربما كان من الممكن الكشف عن مزيد من العيوب الفردية التي أدت إلى خلل وظيفي في حال إجراء مزيد من الاختبارات، لكن نظرا لأن المحرك بالكامل كان قيد الاختبار، كانت هذه المحركات الصاروخية الباهظة عرضة لأن يعطل أحد أجزائها في كل مرة. أدى أحد تلك الأعطال إلى إلحاق ضرر بالغ بمنصة الاختبار نفسها، ونظرا لأنه ما من أحد كان لديه المال اللازم للاستعداد لهذه المشكلة، تأجل برنامج اختبار المحرك بالكامل لأشهر حتى أعيد بناء المنصة.
حلت كارثة أخرى مجددا بعد أعياد الكريسماس مباشرة في عام 1978، عندما انفجر أحد المحركات؛ لم يرجع السبب هذه المرة إلى المضخات التوربينية، بل كانت أسباب المشكلة الجديدة تتمثل في صمام الأكسجين الرئيسي وأحد المبادلات الحرارية. عولجت مشكلة الصمام بسرعة من خلال إعادة تصميمه. كانت مشكلة المبادل الحراري أقل بساطة؛ فعلى حد تعبير أحد كبار المديرين: «يظل عطل المبادل الحراري غير مفسر؛ مما يشعرك بالإحباط والاستياء؛ فهذه الحوادث التي تقع في مرحلة متأخرة من برنامج الاختبار لا تمنحك أي قدر من الثقة.»
حدثت أعطال أخرى خلال الاختبارات التي أجريت في شهري مايو ويوليو من عام 1979. لكن، بحلول ذلك الوقت، كان المحرك قد بدأ يكتسب بعض الموثوقية، وانتقل المهندسون إلى جولة جديدة من الاختبارات. كان من المقرر إطلاق المكوك الفضائي بمجموعة تتألف من ثلاثة محركات رئيسية، وحاول المهندسون تشغيل هذه المجموعة من المحركات لمدة ثماني دقائق، وهي المدة الكاملة المستغرقة في إطلاق مكوك فضائي إلى مدار ما. في نوفمبر، بعد تسع ثوان من الاختبار، كشفت الأجهزة عن وجود مشكلة وبدأت عملية إيقاف التشغيل؛ وهو ما أسفر عن كسر فوهة كانت تحمل هيدروجينا للتبريد؛ مما أدى إلى احتراق الأجزاء الداخلية من المحرك. لم تنجح عملية إطلاق بالمدة الكاملة للمحركات الثلاثة جميعها حتى شهر ديسمبر.
على الرغم من ذلك، لم يكن الأمر كله كئيبا؛ فقد لاقى البرنامج الآن دعما فعالا من جانب الرئيس كارتر، نظرا لاهتمامه الشديد بالحد من الأسلحة. ترجع الجهود الدبلوماسية في هذا الصدد إلى عام 1969، عندما أطلق نيكسون محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية (المعروفة باسم معاهدة سولت) مع موسكو. أدت معاهدة سولت الأولى، في عام 1972، إلى الحد من جهود القوتين العظميين في بناء نظم صواريخ باليستية مضادة. كان كارتر يسعى في تلك الأثناء إلى عقد معاهدة سولت الثانية، التي كانت تهدف إلى وضع قيود فورية على القوى الإجمالية لهاتين الدولتين من الصواريخ والقاذفات. كان من المقرر أن هذه الاتفاقية تتطلب أقمار استطلاع صناعية للتحقق، وكان المكوك الفضائي سيتولى مهمة إطلاقها.
في تاريخ يرجع إلى عام 1970، لجأ فليتشر - مدير ناسا - إلى القوات الجوية للحصول على الدعم السياسي الذي سمح له بإطلاق هذا البرنامج. قدمت القوات الجوية الدعم الذي عزز من هذه الاحتمالات في أوقاتها العصيبة. كان الرجل الذي أحدث فرقا هو هانز مارك، الذي كان يرأس مركز إيمز للأبحاث التابع لناسا، والذي كان ملتزما التزاما قويا تجاه برنامج المكوك الفضائي. اختاره كارتر وكيلا للقوات الجوية. رشح مارك أيضا رئيسا لمكتب الاستطلاع الوطني، وهو مركز تابع للبنتاجون كان يدير أعمال مراقبة الفضاء للمجتمع الاستخباراتي الأمريكي بالكامل. بقبول هذه التوصيات، أصدر كارتر توجيها رئاسيا، وهو التوجيه رقم «بي دي/إن إس سي-37» لشهر مايو 1978، صدق بشدة على المكوك الفضائي. واصل كارتر متابعة هذا التوجيه بالسعي إلى توفير مزيد من التمويل لناسا في عام 1979، مؤكدا على رغبته في تخصيص قدر كاف من التمويل للمكوك الفضائي بما يضمن نجاحه.
صفحة غير معروفة