بعدها بخمسة أشهر، في أبريل 1968، حلق الصاروخ «ساتورن» مجددا، في تجربة غير مأهولة أخرى. هددت النتائج «أبولو» بانتكاسة كبيرة.
كانت المشكلات ترتبط بمحركات «جيه-2» من «روكيت داين»، في المرحلتين الثانية والثالثة؛ حدث انخفاض في ضغط غرفة الاحتراق في المحرك رقم 2 في مركبة «إس-2»، ثم فقد الضغط كله وتوقفت غرفة الاحتراق بعد 263 ثانية من عملها؛ وهو ما تسبب في توقف المحرك رقم 3 المجاور أيضا. عوض كمبيوتر على متن المركبة فقدان المحركين من خلال التبديل بين محركات الصاروخ الثلاثة المتبقية للحفاظ على التوازن وزيادة زمن الاحتراق. حدث انخفاض مشابه في الأداء في محرك «جيه-2» الوحيد في صاروخ المرحلة الثالثة، لكنه ظل يعمل لمدة 170 ثانية، وهي الفترة المخطط لها. مع ذلك، لم يستجب المحرك عند إعطاء الأمر بإعادة التشغيل.
في هذه الرحلة، على الرغم من أن المركبة الفضائية بلغت مدارها بالفعل، تعطل ثلاثة محركات «جيه-2» من واقع ستة محركات موجودة، إما بسبب توقفها قبل الوقت المقرر لذلك، وإما بسبب عدم استجابتها إلى أوامر إعادة التشغيل، وهو ما كان يعني أن المحرك غير موثوق فيه. على الرغم من تحقيق نجاحات في رحلات الطيران التجريبية السابقة على ذلك، لم يكن من الممكن الاعتماد على المحرك لنقل رواد فضاء في رحلة إلى القمر.
كان بول كاستنهولتس مدير مشروع «جيه-2»، وكان يدرك أنه كان يواجه متاعب. كان يتمتع بهيئة رياضية وغير متكلفة تتلاءم جيدا مع سمعته كرجل قوي وحازم؛ بالإضافة إلى ذلك، كان ناشدا للكمال يهتم بالتفاصيل الدقيقة؛ يتذكر قائلا: «في نهاية الرحلة، ذهبنا إلى غرفة اجتماعات كبيرة في كيب كانافيرال.» كان مصطفا أمامه رؤساء «أبولو» ومديروها بالكامل، الذين كانوا قد حضروا إلى الموقع لمشاهدة لحظة الإطلاق. ويستطرد قائلا: «قلت: «يجدر بي أن أخبركم أننا لا نعرف ما حدث، لكننا سنعمل فورا وفق جدول زمني على مدى أربع وعشرين ساعة كاملة، وسنوافيكم بالأخبار دائما.»
5
أضاف قائلا: «لعلها كانت أسوأ لحظة في حياتي كمهندس صواريخ، كنت أحدث نفسي قائلا: «ماذا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك؟» أتذكر أنني كنت أقود سيارتي في الطريق، عائدا إلى المنزل، وكنت أحدث نفسي: هذا فظيع! هذا أسوأ مكان على الإطلاق».» في «روكيت داين»، وضع كاستنهولتس جدول أعمال على مدار الساعة. استدعى سام هوفمان، رئيس الشركة، كل من استطاع الاستغناء عنه في البرامج الأخرى. جلب كاستنهولتس أسرة، بحيث يستطيع العاملون المكوث في مكاتبهم ليلا.
لماذا كانت المشكلة خطيرة إلى هذه الدرجة؟ لم يقتصر الأمر على عدم معرفة أحد لسبب توقف المحركات، بل لم يكن ثمة مسار واضح نحو اكتشاف السبب. لم تكن ثمة معدات معطلة لفحصها؛ فقد احترق «إس-2» عن آخره في الجو، بينما كانت مركبة «إس-4 بي» في مدارها وبعيدة المنال. كذلك، كانت البيانات الواردة من أجهزة القياس عن بعد شحيحة. كان محرك «جيه-2» قد أبلى بلاء حسنا في رحلة «ساتورن 5» السابقة، فضلا عن أربع عمليات إطلاق للصاروخ «ساتورن 1-بي» خلال العامين السابقين؛ لذا، رحلة إثر رحلة، استبعدت قنوات البيانات من محركات «جيه-2»، وأعيد تعيينها لأنظمة أخرى. كما أنه لم يحدث قط أن توقف أي من محركات «جيه-2» على هذا النحو في الاختبارات الأرضية.
على الرغم من ذلك، كانت البيانات المتوافرة من أجهزة القياس عن بعد تكفي للإشارة إلى أحد الأسباب، وهو خط وقود مساعد، يحتمل أن يكون قد حدث فيه تسرب أو تشقق. أجرى مديرو «روكيت داين» عمليات تشغيل تجريبية على محرك «جيه-2» عرضت هذا الخط لإجهاد غير عادي، لكنه صمد؛ وهو ما كان يشير إلى أن المعلومات القليلة المتوافرة لديهم ربما تفضي بهم إلى طريق مسدود.
جاءت الانفراجة في غضون أيام قليلة. يتذكر كاستنهولتس التحدث إلى زميل يدعى مارشال ماكلور، الذي سأل قائلا: «هل سيكون الأمر مختلفا في الفضاء عنه على الأرض؟» كانوا يقضون وقتا طويلا يشاهدون أفلام اختبارات «جيه-2» على المنصات في سانتا سوزانا ، وعندما شاهد كاستنهولتس تلك الأفلام مجددا، رأى ما لم يكن قد استرعى انتباهه من قبل بوصفه مهما. كان الثلج يتراكم على كثير من خطوط الوقود والأكسجين، أثناء نقلها الغازات السائلة الفائقة البرودة؛ لكن في الفضاء، لم يكن ثمة مجال لتكون الثلج.
لماذا كان الثلج مهما ؟ كثير من خطوط وقود «جيه-2» كان مصمما على نحو مموج ومتعرج ليكون أكثر مرونة، مثل خرطوم مكنسة كهربية. ولكونها مرنة، كانت تهتز، وإذا اهتزت تلك الخطوط بقوة أكثر مما ينبغي، فربما ينكسر أحد الخطوط. لكن في سانتا سوزانا، كان الثلج المتراكم داخل التموجات - فيما عرف باسم الكير أو المنفاخ - يقلل من سرعة الاهتزازات ويحول دون زيادة قوتها، وربما كان هذا هو السبب وراء عمل الخطوط على نحو جيد في التجارب الأرضية، في حين إنها قد تضعف وتنكسر بعد دقائق قليلة من انطلاق الصاروخ في الفضاء. يقول كاستنهولتس: «كان خط الوقود المساعد المشتبه فيه مغطى بشبكة من الصلب الذي لا يصدأ؛ لذا، لم يكن لأحد أن يلاحظ أن السبب كان الكير، لكن عند مشاهدة الفيلم، أمكن مشاهدة الثلج وهو يتشكل.»
صفحة غير معروفة