في يوليو 1957، بينما كانت برامج الصواريخ تمضي قدما، توقفت جهود تطوير برنامج الصاروخ «نافاهو» القديم عندما ألغت القوات الجوية العمل فيه؛ ومع ذلك، أسهم هذا المشروع - الذي كانت تديره شركة «نورث أمريكان»، وكان له دور عظيم في مجال صواريخ الوقود السائل - إسهاما أخيرا من خلال تقديم نظام توجيه استخدم في غواصة «جورج واشنطن» والغواصات المشابهة لها؛ فقد كان من الضروري أن تعرف الغواصات وجهتها أثناء إبحارها تحت البحر، وكان نظام توجيه «نافاهو» يوفر هذه المعلومات على نحو فعال. واتضحت مميزات النظام بعد عام؛ إذ استخدم في توجيه غواصة «نوتلس» تحت ثلوج المحيط القطبي في رحلة بحرية بدأت من ميناء بيرل هاربور إلى إنجلترا، تحت القطب الشمالي مباشرة.
جذبت «بولاريس» أيضا انتباه الكولونيل إد هول. كان هول يدير برنامج صاروخ «ثور» تحت إشراف الجنرال شريفر، لكنه صار مقتنعا بأن صاروخا مماثلا في القوات الجوية للصاروخ البحري سيوفر ميزة هائلة. في البداية، عالج مشكلة صب كميات كبيرة للغاية من الوقود الصلب، فيما يعرف بالحبيبات. وكان تطوير الرأس الحربية الجديدة لتيلر يعني أن صاروخ هول سيكون أصغر كثيرا من صواريخ الوقود السائل الكبيرة لشريفر، بيد أن هول كان يعرف أنه سيحتاج إلى حبيبات أكبر كثيرا مما جرى تصنيعه سابقا. ولم يكن يستطيع أيضا الاعتماد على حبيبات الصاروخ «بولاريس»؛ إذ كان الصاروخ «بولاريس» صاروخا من مرحلتين، ذا حبيبات محدودة الحجم، وكان هول يريد أن يحصل على حبيبات أكبر.
أرسى هول عقودا على عدة شركات تعمل في مجال صناعة الوقود الصلب، بما في ذلك شركتا «إيروجت» و «ثيوكول»؛ ووقع كروزبي من شركة «ثيوكول» العقد في سرور، حيث كان قد خسر عقد «بولاريس» أمام شركة «إيروجت» ورأى في ذلك فرصة للرد . اشترى قطعة أرض كبيرة قرب مدينة بريجام في ولاية يوتا، وهي منطقة بعيدة تتوافر فيها مساحات واسعة تسمح بتلاشي هدير الصواريخ كثيرا. وفي نوفمبر 1957، قدم الباحثون في شركته وحدة وقود صلب توفر قوة دفع مقدارها 25 ألف رطل، وهي أكبر قوة دفع من نوعها حتى ذلك الوقت.
لكن الأمر كان يتطلب ما هو أكثر من حبيبات كبيرة لصنع صاروخ هول. أراد هول أن يطلق الصاروخ في لحظة إعطاء إشارة الإطلاق، وهو ما كان يعني إدخال تغييرات جذرية في نظام التوجيه. كانت النظم التقليدية، التي كانت تستخدم البوصلات الجيروسكوبية العائمة التي ابتكرها ستارك دريبر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد إدارة زر التشغيل؛ إذ كان يتعين تدفئة نظم التوجيه، حتى تصبح العبوات العائمة في مستوى طفو دقيق. ثم نصب العبوات بالتوازي مع المحور الرأسي و«محاذاتها» على نحو صحيح في المستوى الأفقي، وهو ما كان يستغرق وقتا يقرب من ساعة أو يزيد. ولم تكن ثمة مشكلة في ذلك بالنسبة إلى الصاروخين «أطلس» و«تايتان»، اللذين كانا يحتاجان إلى وقت أكثر لتزويدهما بالوقود ولإعدادهما للإطلاق، وينطبق الشيء نفسه أيضا على الصاروخ «بولاريس»، الذي كان يستطيع الاختفاء تحت سطح البحر حتى يستعد قائده. لكن هول كان يحتاج إلى نظام توجيه يعمل على نحو مستمر.
جاء الحل من خلال قسم الأوتونتكس (أو أنظمة الإلكترونيات) في شركة «نورث أمريكان»، وهو الحل الذي كان يمثل ثمرة جهود العمل على نظام التوجيه في الصاروخ «نافاهو». وبالمثل، طورت شركة «روكيت داين» تصميماتها من خلال الأنشطة البحثية التي كانت تجريها على محرك الصاروخ «نافاهو». كان أوتونتكس قد بنى النظام الذي كان سيوجه غواصة «جورج واشنطن»، وكان أحد الاختصاصيين الأساسيين، وهو جون سليتر، قد صمم بوصلات جيروسكوبية جديدة مختلفة تماما عن نماذج بوصلات دريبر العائمة. كانت بوصلات سليتر تحتوي على كرة دوارة، في حجم كرة زجاجية كبيرة، كانت تدور في مبيت كروي وكانت تستخدم غشاء رقيقا من الغاز للحيلولة دون التلامس. وكانت هذه البوصلة الغازية، التي يرجع تاريخ تطويرها إلى عام 1952، لا تزال مستخدمة بعد مرور خمس سنوات.
في أغسطس 1957، تولى هول مسئولية فريق عمل شرع في تحديد ما أطلق عليه نظام سلاح كيو؛ وبعدها بأسبوعين وضع تصميما كان يتضمن فيما يبدو كل المواصفات المطلوبة. وكان هول حريصا على ألا يكون هذا النموذج مكلفا. أشار المؤرخ جورج ريد إلى الصاروخ باعتباره «أول سلاح استراتيجي يمكن إنتاجه على نطاق واسع». وكان الصاروخ قويا، ليس ضعيفا مثل صواريخ الوقود السائل، وكان يمكن إخفاؤه تحت الأرض في أسطوانة مبطنة بالخراسانة، وهو ما أشارت إليه مجلة «تايم» لاحقا بأنه «صومعة مقلوبة». ونظرا لقوته، كان يمكن إطلاقه من الصومعة التي تحيط به، وتحمل الضغط والاهتزاز الشديدين المتولدين عن الإطلاق من حفرة الإطلاق الأرضية مباشرة. ولم يكن في مقدور أي صاروخ وقود سائل أن يفعل ذلك، وكانت الصومعة تمثل بدورها عامل حماية للصاروخ من أي شيء فيما خلا ضربة نووية مباشرة.
عقب إطلاق «سبوتنيك»، ذهب هول وشريفر إلى البنتاجون للحصول على المزيد من الدعم من أجل هذا النموذج الأحدث للصاروخ الباليستي العابر للقارات. وفي فبراير 1958، قدما تصميم الصاروخ إلى وزير الدفاع ماكلروي وإلى قائد القوات الجوية، وعلى حد تعبير شريفر: «حصلنا على موافقة خلال ثمان وأربعين ساعة.» وبنهاية الشهر أطلق على المشروع اسم جديد، وهو «مينتمان».
لكن، كانت الأمة في حاجة إلى ما هو أكثر من صواريخ جديدة؛ كانت تحتاج أيضا إلى أقمار استطلاع، ومنذ البداية تقريبا لم تقل إنجازات القمر «يو-2» كثيرا عما بشر به؛ وما لبث أن دخل الخدمة حتى استطاعت أنظمة الرادار السوفييتية تحديد موضعه. وفي أعقاب عملية التحليق الثانية فوق الأراضي السوفييتية، أعلنت وزارة الخارجية عن احتجاجها، وتصاعدت الاحتجاجات، وبعد تنفيذ ست مهام من هذا النوع، جميعها خلال شهر يوليو 1956، أمر آيك بإيقاف البعثات الاستطلاعية. ولم تجر أي محاولات بعد ذلك إلا بعد الحصول على موافقته الشخصية، ولم يتجاوز عدد البعثات الاستطلاعية التي انطلقت خلال السنوات الأربع ثماني عشرة بعثة. نقل ريتشارد بسل، سائرا على نهج كرتس لوماي ، خمسة أقمار طراز «يو-2» إلى القوات الجوية الملكية، ورتب عملية الحصول على استخباراتها. ولكن، لم يكن هذا إلا إجراء مؤقتا.
كانت صور أقمار «يو-2» لا تضاهى؛ أظهرت إحدى الصور، التي التقطت من ارتفاع 55 ألف قدم، كرات الجولف في ملعب الجولف المفضل لدى آيك. وعادت بعثة استطلاع أخرى في عام 1956 بصور غاية في الأهمية، كانت تظهر عددا أقل جدا مما كان متوقعا للقاذفات الثقيلة في القواعد السوفييتية؛ وهو ما أفضى إلى البدء في عملية مراجعة شاملة لقوة موسكو الجوية المقدرة، وأعلن أحد مساعدي آيك العسكريين أنهم سرعان ما وجدوا أن إنتاج القاذفة «جاب» كان يتراجع، وهو أمر كانوا يتوقعون حدوثه كل عام. لكنه لم يحدث حقيقة. ولكن، أكدت القيود المفروضة على القمر «يو-2» على أهمية المضي قدما في تطوير القمر «دبليو إس-117إل».
لكن، على الرغم من تولي شريفر مسئولية برنامج الأقمار الصناعية هذا في فبراير 1956، لم يلق البرنامج نفس الأولوية المرتفعة الممنوحة إلى الصاروخ «أطلس» والصواريخ الأخرى. وعندما انطلق القمر «سبوتنيك 1»، كان القمر «دبليو إس-117إل» يتطور ببطء، وكان في حاجة إلى صاروخ تعزيز. وكانت القوات الجوية قد تخلت عن أسلوب «آر سي إيه» في الاستطلاع، وهو الأسلوب الذي كان يعتمد على كاميرا تليفزيونية؛ نظرا لأن جودة الصور الناتجة كانت منخفضة. وكان شريفر لا يزال يتبع الأسلوب الثاني في إرسال قمر صناعي لا يعود إلى الأرض، ولكنه يسجل الصور في شكل نيجاتيف ثم يجري لها مسحا ضوئيا ويرسلها إلى القاعدة الأرضية. ولكن، كانت المركبة الفضائية المصاحبة لقمر من هذا النوع في حاجة إلى صاروخ من طراز «أطلس» لبلوغ مدار فضائي، وهو ما لم يصبح جاهزا إلا بعد فترة. (أطلق على القمر اسم «ساموس»، ولم ينطلق في بعثة فضائية إلا في عام 1961.)
صفحة غير معروفة