13
تمثلت النتيجة المباشرة المترتبة على ذلك في الدمج بين غواصة البحرية والصاروخ «جوبيتر» التابع للجيش عام 1955. وكانت القوات الجوية لديها لائحة الإجراءات الإدارية المعروفة ب «إجراءات جيليت»، التي كانت تختصر الكثير من الإجراءات الروتينية، وسار بيرك في التنفيذ على النهج نفسه. كان في إمكان أي من إدارة مكتب الملاحة الجوية التابع للبحرية وإدارة التسليح التابعة للجيش إدارة البرنامج الجديد؛ بيد أن بيرك لم يختر أيا منهما، وإنما أنشأ بدلا من ذلك كيان جديد، سماه مكتب المشروعات الخاصة. واختار بيرك لإدارته الأميرال ويليام رابورن، الذي كان قائدا سابقا لحاملة طائرات، وكان من المحاربين القدامى الذين شاركوا في حرب المحيط الهادئ؛ حيث خدم كنائب مدير برنامج الصواريخ الموجهة في البحرية. واشترك بيرك مع وزير البحرية في إصدار خطاب إلى رابورن، يمنحه صلاحيات الجنرال شريفر ويمنح برنامجه الفضائي استقلالا لا يضاهى:
إذا صادف الأميرال رابورن أي صعوبات أستطيع أن أساعده في تخطيها، فسوف أرغب في معرفتها في الحال فضلا عن معرفة الإجراءات التي يوصيني باتباعها. وإذا كانت ثمة حاجة إلى مزيد من المال، فسوف نحصل عليه؛ وإذا كان في حاجة إلى مزيد من الكوادر، فسوف يرسلون إليه في الحال؛ وإذا كان ثمة ما يجعل سير العمل بطيئا في هذا المشروع فيما يتجاوز قدرات البحرية ووزارة الدفاع، فسنرفع الأمر إلى أعلى مستوى ولن يستغرق الأمر بضعة أيام.
14
أشار رابورن لاحقا قائلا: «كنا نعتمد على فلسفة الاتصال الدائم، لم نكن نخفي أي أمر عن أي شخص يريد معرفته، ولم يكن ثمة ما يجعل أي شخص يقع في المتاعب أكثر من تأخير الإعلان عن مشكلة محتملة. والأسوأ من ذلك، أنه إذا انتظر الشخص حتى تقع المشكلة، فسيصبح إذن في وضع حرج حقا.» ويضيف زميله النقيب لفرينج سميث، وهو اختصاصي دفع، قائلا: «كان كثير مما جرى يخالف الإجراءات واللوائح التنظيمية الحكومية الراهنة. ومن ثم، كان ينحى جانبا.» وهو ما كان يعني أن رابورن كان في استطاعته أن يتوقع طوال الوقت الحصول على المعلومات التي يحتاجها لاتخاذ قرار ما، واستطاع أن يفعل ذلك، بدلا من طلب إجراء المزيد من الدراسات.
منح رابورن الصاروخ «جوبيتر» الذي ينطلق بحرا فرصة طيبة لاختباره، لكنه كان يعي جيدا أن وقوده السائل كان ينذر بخطر نشوب أسوأ حادث حريق منذ أيام السفن الشراعية الخشبية، عندما كان البحارة يطهون فوق مواقد مكشوفة. وعندما أمر بإجراء دراسة مبدئية على استخدام وقود صلب بديل، لم يجد أي تحسن في أداء الوقود. وكان الصاروخ البديل يستخدم الوقود الصلب التقليدي، وليس النوع الجديد الذي أنتجته شركة «أتلانتك ريسرش»، الذي كان تصميمه بالغ الضخامة بطول 41 قدما ووزن 162 ألف رطل. وكان مقدار إزاحة المياه في الغواصة التي تحمله يبلغ 8500 طن، مقابل 3300 طن في غواصة «نوتلس»، لكنها لم تكن تحمل أكثر من أربعة صواريخ. وربما كانت توفر عامل الأمان والسلامة، بيد أن المكونات إجمالا لم تكن تبشر بتحقيق ميزة من الناحية العملية.
توقع رابورن أن صاروخ الوقود الصلب الهائل هذا سيحمل المقدمة المخروطية للصاروخ «جوبيتر»، التي كانت تزن 3000 رطل بما في ذلك الرأس الحربية التي يحملها. وكان التصميم المتوقع سيحقق استفادة كاملة من عمليات تقليص الوزن في الأسلحة النووية التي أشير إليها في تقرير لجنة «تي بوت» وفي دراسات لاحقة. وعلى الرغم من ذلك، وجد رابورن نفسه في الوضع الذي كان فيه شارلي بوسار من شركة «كونفير» عام 1951، عندما صمم الصاروخ «أطلس» في وقت سابق على هذا الإنجاز النووي الحراري، وأنذر الصاروخ بسبب ضخامته المفرطة بعدم جدواه عسكريا. ولكن، كان ثمة إنجاز ثان مشابه وشيك الحدوث، وهو الإنجاز الذي حققه إدوارد تيلر بعد ذلك.
خلال صيف عام 1956، قدم تيلر مقترحه. وكانت القنابل الهيدروجينية تستخدم طبقة ثقيلة من اليورانيوم غير المخصب التي كانت تتلقى دفقة قوية من النيوترونات من خلال عملية تفاعل نووي حراري، وتطلق طاقة إضافية من خلال عملية الانشطار. وأكد تيلر في مقترحه على إمكانية تقليص وزن الرأس الحربية مجددا من خلال استخدام يورانيوم مخصب بدلا من اليورانيوم غير المخصب. وكان مقترح تيلر واضحا، على الأقل في نطاق جماعة تيلر المتخصصة في المجال، لكنه كان يتعارض بشدة مع أسلوب لوس ألاموس. وبالنسبة إلى هارولد أجنيو، فقد أشار قائلا: «لم يكن المقترح متماشيا مع ثقافتنا؛ فقد نشأنا في ثقافة ندرة استخدام المواد النووية. وكانت فكرة إدوارد مثل فكرة وضع الزبد على جانبي الخبز. ولم يجد أمامه إلا أن يرضخ رضوخا كاملا.»
كانت ثمار الجهود المبذولة مقدمة مخروطية وزنها 850 رطلا فقط، بينما كان وزن الرأس الحربية لا يتجاوز 600 رطل. امتزجت هذه الجهود مع جهود شركة «أتلانتك ريسرش» - فضلا عن الجهود التي بذلت في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التي كانت تبشر بنظام توجيه خفيف الوزن مماثل - لتغير من طبيعة صاروخ الوقود الصلب لرابورن جذريا، ووصل وزن الصاروخ إلى 28800 رطل، وهو ما يقترب من وزن الصاروخ «في-2» عند إطلاقه، وكان ارتفاعه الذي يقل عن ثلاثين قدما لا يكاد يبلغ ثلاثة أخماس ارتفاع الصاروخ «في-2». ومع ذلك، كان الصاروخ الجديد يستطيع حمل رأس حربية زنة 600 كيلوطن، ويقذفها إلى مدى يصل 1200 ميل بحري. والأفضل من ذلك أن حجمه المضغوط كان يسمح له بحمل ستة عشر صاروخا منه في غواصة نووية ذات قاعدة طويلة طراز «سكيب جاك». وكانت هذه الغواصات، ذات القواعد القياسية، جزءا من برنامج ريك أوفر لبناء الصواريخ.
أطلق رابورن على الصاروخ اسم «بولاريس»، في إشارة إلى اسم النجم الثابت الذي كان البحارة يسترشدون به. وقبل أن يتمكن من إرساء عقد على إحدى الشركات والتحرر نهائيا من الجيش، أراد أولا الحصول على إذن من وزير الدفاع ويلسون. وفي خريف ذلك العام، قدم عرضا موجزا أشار فيه إلى أن برنامجه سيوفر 500 مليون دولار أمريكي مقارنة بالصاروخ «جوبيتر» الذي كان مخططا له أن ينطلق بحرا. وبدا ويلسون مهتما بالأمر؛ حيث أمال رأسه إلى الأمام قائلا: «لقد عرضت علي الكثير من شرائح العرض المشوقة أيها الشاب، لكن هذه الشريحة هي الأكثر تشويقا، شريحة توفير نصف مليار دولار أمريكي.» وفي ديسمبر، بعد أسبوعين من إصدار القرار الذي أنكر حق الجيش في نشر الصاروخ «جوبيتر»، أصدر رابورن توجيها إلى رابورن بألا يمضي في تنفيذ مشروع الصاروخ «جوبيتر »، وأن يمضي في العمل في الصاروخ «بولاريس». وكان مكتب رابورن آنذاك بمنزلة سلاح بحرية داخل البحرية، وتمكن من خلال صلاحياته الواسعة أن يحصل على أقصى ما يمكن من ريك أوفر نفسه. واحتاج إلى خمس غواصات طراز «سكيب جاك» في البداية، وبدأ بغواصة كانت قيد الإنشاء، وتولى هو مسئوليتها؛ حيث قطعها نصفين ووضع لوحا بطول 130 قدما في قطاعها الأوسط لحمل الصواريخ، وأطلق عليها اسم «جورج واشنطن» التابعة للبحرية الأمريكية.
صفحة غير معروفة