وأشبهت الثَّلَاث الَّتِي فِي الْآحَاد من وَجه. فَأَما شبهها بالعشرين فَلِأَن عقدهَا على قِيَاس الثَّلَاث إِلَى التسع لِأَنَّك تَقول: ثَلَاثمِائَة وَتِسْعمِائَة، ثمَّ تَقول: ألف، وَلَا تَقول: عشر مائَة، فَصَارَ بِمَنْزِلَة قَوْلك: عشرُون وَتسْعُونَ. ثمَّ تَقول: مائَة على غير قِيَاس التسعين. وَتقول فِي الْآحَاد: ثَلَاث نسْوَة، وَعشر نسْوَة، فَتكون الْعشْر بِمَنْزِلَة التَّأْنِيث، فَأَشْبَهت ثَلَاثمِائَة الْعشْرين فبينت بِوَاحِد، وأشبهت الثَّلَاث فِي الْآحَاد فَجعل بَيَانهَا بِالْإِضَافَة.
وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا أَنهم قَالُوا: ثَلَاثَة آلَاف، فَإِنَّمَا أضافوا الثَّلَاثَة إِلَى جمَاعَة لأَنهم يَقُولُونَ: عشرَة آلَاف. فَلَمَّا كَانَ عشرته على غير قِيَاس ثلاثته أجروه مجْرى ثَلَاثَة أَثوَاب لأَنهم قَالُوا: عشرَة أَثوَاب.
فَإِذا قلت: ثَلَاثمِائَة، فَحكم الْمِائَة بعد إِضَافَة الثَّلَاث إِلَيْهَا، أَن تُضَاف إِلَى وَاحِد منكور كحكمها حِين كَانَت مُنْفَرِدَة، وَيجوز أَن تنون وتميز بِوَاحِد، كَمَا قيل: مِائَتَان عَاما. فَأَما قَول الله ﷿: ﴿ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا﴾ .
فَإِن أَبَا إِسْحَاق الزّجاج زعم أَن سِنِين منتصبة على الْبَدَل من ثَلَاثمِائَة وَلَا يَصح أَن تنصب على التَّمْيِيز لِأَنَّهَا لَو انتصبت بذلك فِيمَا قَالَ لوَجَبَ أَن يَكُونُوا قد لَبِثُوا تِسْعمائَة، وَلَيْسَ ذَلِك بِمَعْنى الْآيَة، وقبيح أَن يَجْعَل سِنِين نعتا لَهَا لِأَنَّهَا جامدة لَيْسَ فِيهَا معنى فعل.
وَقَالَ الْفراء: يجوز أَن تكون سِنِين على التَّمْيِيز، كَمَا قَالَ عنترة فِي بَيت لَهُ:
(فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حلوبة ... سُودًا كخافية الْغُرَاب الأسحم)
1 / 35