فمحمد الأب كان أصلح الآباء، ثم فجع في بيته فجيعة لا يداري فيها ألم الإنسان إلا صبر الأنبياء.
ومن الناس من لا يكون صديقا صالحا ولا سيدا صالحا ولا زوجا صالحا، ولكنه أب صالح بر ببنيه ...
لأن الرحم بين الآباء والأبناء أدنى الأرحام إلى المودة وأحراها بتحريك الشفقة فيمن لا يشفق على أحد ...
فكيف تكون الأبوة في نفس صلحت للصداقة وصلحت للسيادة وصلحت للزوجية لأنها تصلح للعطف الذي يعم القريب والغريب، ويشمل القوي والضعيف؟
ذلك أب نعلم كيف يفرح بأبنائه.
ونعلم كيف يحزن حين يفجع في أولئك الأبناء.
ومن الراجح أن العطف الأبوي لم يتمثل قط في مولد أحد من أبناء محمد عليه السلام كما تمثل في مولد ابنه الذي سماه باسم جده الأكبر أملا في أن يصبح بعده خليفته الأكبر ... ولعل العطف الأبوي قد تمثل في تشييع هذا الطفل الصغير أشد من تمثله في استقباله يوم ميلاده.
كانت أسباب كبيرة توحي إلى قلب محمد العظيم شوقه الطويل إلى استقبال ذلك الوليد ...
كان منها أن محمدا عربي يحرص على العقب من بعده كحرص كل رجل من أبناء القبائل وأصحاب العصبية؛ هم فخورون بالنسب فخورون بالعقب، يحفظون سيرة السلف ويتوقون إلى استبقاء الخلف على نحو لا يعهده الحضريون، وإن كان حب الذرية فطرة مركبة في جميع الطباع.
ومحمد كان يحب التكاثر لنفسه ويحبه لأمته ويوصي المسلمين أن يستكثروا من النسل ما استطاعوا ليفاخر بهم الأمم وفرة وعزة. فاشتياقه إلى العقب من الذكور خليقة عربية تقترن بالخليقة الإنسانية والخليقة النبوية، فتزداد قوة على قوتها التي ركبت في جميع الطباع.
صفحة غير معروفة