وهذه الفكرة هي التي ترينا محمدا عليه السلام قائدا حربيا بين أهل زمانه بغير نظير في رأيه وفي الانتفاع بمشورة صحبه، وتبرز لنا قدرته النادرة بين قادة العصور المختلفة في توجيه كل ما يتوجه على يدي قائد من قوى الرأي والسلاح والكلام.
وهذه القدرة هي شهادة كبرى للرسول تأتي من طريق الشهادة للقائد الخبير بفنون القتال.
فمن كانت عنده هذه الأداة النافذة فاقتصر بها على الدفاع واكتفى منها بالضروري الذي لا محيص عنه، فذلك هو الرسول الذي تغلب فيه الرسالة على القيادة العسكرية، ولا يلجأ إلى هذه القيادة إلا حين توجبها رسالة الهداية.
ويزيد هذه الشهادة عظما أن الرجل الذي يجتنب القتال في غير ضرورة رجل شجاع غير هياب.
شجاع وليس كبعض الهداة المصلحين الذين تجور فيهم فضيلة الطيبة على فضيلة الشجاعة، فيحجمون عن القتال لأنهم ليسوا بأهل قتال.
إن بعض المستشرقين زعموا أنه
صلى الله عليه وسلم
قد اشترك في حرب الفجار بتجهيز السهام، لأنه عمل أقرب إلى خلقه من الخوض في معمعة القتال، وكأنهم أرادوا أنه لم يكن قادرا على المشاركة في المعمعة بغير ذلك.
فهذا خطأ في الإحاطة بمزايا هذه النفس العظيمة التي تعددت جوانبها حتى تجمعت فيها أطيب صفات الحنان وأكرم صفات البسالة والإقدام ...
فمحمد كان في طليعة رجاله حين تحتدم نار الحرب ويهاب شواظها من لا يهاب، وكان علي فارس الفرسان يقول: «كنا إذا حمي البأس اتقينا برسول الله
صفحة غير معروفة