71

وصف صادق من جملة أطرافه ...

وعلامة من علامات الانحلال ألا ينفع الوصف الصادق ولا يهدي العارفين به إلى رأي متفق عليه، كما يعرف المرض ولا ينتفع بعرفانه في العلاج إذا شارف الجسم الفناء؛ ولهذا اتفق يزدجرد ورستم على الصفة ولم يتفقا على العمل النافع مع العرب، فافترقا مختلفين.

وكما بقيت في أهل فارس يومذاك مسكة من حلول بقيت لهم كذلك مسكة من مروءة الفرسان، أو على الأصح مسكة من المراسم والمأثورات الحربية، وهم أولع أمة بالمراسم والمأثورات كافة ...

وهذه المسكة شرف للقادر ولكنها بلاء على العاجز المتخاذل، كأنها الوثبة التي تعجل بالهلاك إن وثبها المريض الهزيل، وإنها في الأقوياء لمعوان على المجد والطموح.

فربما أقدموا على القتال وهم يحسبون أنهم مقدمون على مباراة في حلقة صراع، ينظرون عدوهم حتى يصل إليهم كما ينظر المصارع نده حتى يأخذ بعضديه في أمان.

ففي وقعة الجسر أقبل بهمن جاذويه ومعه راية الفرس الكبرى من جلود النمور طولها عشر أذرع وعرضها ثمان، وبين يديه جيش يربو على جيش المسلمين مرات، فأرسل إلى أبي عبيد قائد المسلمين يقول له: إما أن تعبروا إلينا وندعكم والعبور، وإما أن تخلوا بيننا وبينه، فتعجل أبو عبيد وعبر النهر على جسر نصبوه، والفرس ينتظرون.

مثل هذه المراسم جهل بحقيقة الحال، وحقيقته أنه صراع حياة وموت بين أمتين، وليس بحلبة سباق أو حلقة رهان بين لاعبين في ملهاة. •••

أما دولة الرومان الشرقية، فقد كانت في حال لا تفضل حال جارتها وعدوتها في محنة العقيدة ومحنة النزاع على الملك والولاية.

ضرب المثل بالجدل البيزنطي في التاريخ القديم والحديث من جراء الخلاف على المذاهب الدينية في الدولة الرومانية الشرقية، وكان معظم أبناء الولايات من النساطرة واليعاقبة يخالفون مذهب الدولة الرسمي ويمقتون رجاله ويرمونهم بالهرطقة

1

صفحة غير معروفة