غلطة لا ريب فيها ...
وإن كان جائزا مع هذا ألا يهزموا قيسا، لو كان حاربهم، كما هزموا خلفه الذي لا يعدله في الحزم والخبرة.
ولكننا نبالغ على كل حال، إذا علقنا بها الجرائر التي أصابت الإمام من بعدها، وزعمنا أنه تقاعد عن إصلاحها في حينها، كما تصلح الغلطات التي يساق إليها الساسة ... فإنما هي غلطة من تلكم الغلطات التي تضير والحوادث مولية ... وقلما تضير أو تعز على الإصلاح والحوادث مؤاتية، وقد عرف الإمام خطأه فقال لصحبه: «إن مصر لا يصلح لها إلا أحد رجلين هذا الذي عزلناه والأشتر.» وأنفذ الأشتر إلى مصر ليعيدها إلى طاعته فمات في الطريق. •••
والأقوال في موت الأشتر هذه الميتة الباغتة كثيرة، منها أنه مات غيلة وأن معاوية أغرى به من دس له السم في عسل ... شربه وهو على حدود مصر فقضى نحبه، وروي أن معاوية قال حين بلغه موته: «إن لله جنودا من العسل.»
فإن صحت الرواية، واعتقد من اعتقد أنها من دلائل السياسة القوية عند معاوية ... فمما لا شك فيه أن موت الأشتر لم يكن من دلائل السياسة الضعيفة عند الإمام، وأنه لا لوم على سياسته في اغتياله، إن كان فيه سبب ثناء على سياسة الغيلة عند من يحمدونها.
ومن عجائب هذه القصة أن معاوية ندم على تقريب قيس من جوار علي، وقال: «لو أمددته بمائة ألف كانوا أهون علي من قيس.» لأنه قد ينفعه وهو قريب منه بالمشورة عليه في عامة أموره، ولا ينحصر نفعه له في سياسة مصر وحدها ...
ولكن الذي حذره معاوية لم يكن، والذي حذره علي كان ...
وإذا ولت الحوادث، فقد ينفع الخطأ وقد يضير الصواب ...
ثم تأتي مسألة القصاص من قتلة عثمان التي كانت أطول المسائل جدلا بين الإمام وخصومه، فإذا هي أقصرها جدلا من براءة المقصد من الهوى وخلوص الرغبة في الحقيقة ...
فقد طالبوه بالقود ولم يبايعوه، مع أن القود لا يكون إلا من ولي الأمر المعترف له بإقامة الحدود.
صفحة غير معروفة