الفصل السادس
عمر والدولة الإسلامية
تأسست الدولة الإسلامية في خلافة أبي بكر - رضي الله عنه - لأنه وطد العقيدة، وسير البعوث، فشرع السنة الصالحة في توطيد العقيدة بين العرب بما صنعه في حرب الردة، وشرع السنة الصالحة في تأمين الدولة من أعدائها بتسيير البعوث، وفتح الفتوح، فكان له السبق على خلفاء الإسلام في هذين العملين الجليلين.
إلا أننا نسمي عمر مؤسسا للدولة الإسلامية بمعنى آخر غير معنى السبق في أعمال الخلافة؛ لأننا - أولا - لا نجد مكانا في التاريخ أليق به من مكان المؤسسين للدول العظام.
ولأننا من جهة أخرى لا نربط بين التأسيس وولاية الخلافة في إقامة دولة كالدولة الإسلامية؛ إذ الشأن الأول فيها للعقيدة التي تقوم عليها، وليس للتوسع في الغزوات والفتوح، وعمر كان على نحو من الأنحاء مؤسسا لدولة الإسلام قبل ولايته الخلافة بسنين، بل كان مؤسسا لها منذ أسلم ، فجهر بدعوة الإسلام وأذانه، وأعزها بهيبته وعنفوانه.
وكان مؤسسا لها يوم بسط يده إلى أبي بكر فبايعه بالخلافة، وحسم الفتنة التي أوشكت أن تعصف بأركانها، وكان مؤسسا لها يوم أشار على أبي بكر بجمع القرآن الكريم، وهو في الدولة الإسلامية دستور الدساتير، ودعامة الدعائم، ولم يزل يراجع أبا بكر في ذلك حتى استدعى زيد بن ثابت كاتب الوحي، فأمره أن يتتبع آي القرآن ليجمعها من الرقاع والأكتاف والعسب
1
وصدور الرجال، فكان ذلك أول الشروع في جمع الكتاب.
هذا إلى أن أبا بكر - رضي الله عنه - أسس ولم يتسع له الأجل حتى يفرغ من عمله، وجاء عمر بعده فأتم عمله وأقام الأساس، ثم أقام عليه البناء، وكانت قدرته على التأسيس هي آية الآيات فيه وفي ذلك العصر من البداوة البادية؛ لأنه التفت إلى مواضعه الخليقة بالاهتمام والتقديم، كأنه راجع تاريخ عشرين دولة مستفيضة الملك، راسخة العمران، وهي قدرة تروعنا وتدهشنا لو شهدناها من ملك تربى على الملك، وسلفه
2
صفحة غير معروفة