قال سعيد: «اذهب.»
فانحنى وحيا ومضى.
الفصل التاسع والثلاثون
بيت المنام
مكث سعيد وهو يهيئ نفسه ويصلح من شأنه، استعدادا للذهاب مع ياسر إذا أتاه أو بعث في طلبه.
وبعد العشاء أتاه أحد الصقالبة يدعوه إلى قصر المؤنس، فخرج، ولما أطل على الحديقة بهره ما رآه فيها من المصابيح المعلقة في أغصان الأشجار أو على الجدران أو القوائم، حتى أصبحت الحديقة تتلألأ بالأنوار، ومشى الخصي بين يديه حتى وصل إلى باحة القصر المذكور، فرأى الحرس وقوفا بأسلحتهم وعليهم الملابس الفاخرة، ولم يكد يطل على باب القصر حتى رأى ياسرا بين يديه، فاستقبله وحياه ومشى أمامه حتى دخل به الباب إلى دهليز مضيء بالشموع العنبرية، وقد تناثر المسك على الأرض وفاحت رائحته فعطرت الأرجاء. ولم يعجب سعيد من شيء شاهده هناك لم يشاهد مثله في قصر الخلافة ذلك النهار، لكنه ظل ماشيا، وهو يسمع خرير الماء وصوت وقع الرشاش من مرتفع، حتى أطل على قاعة أدهشه ما فيها مما لم ير في زمانه مثله.
وكان ياسر يسير بين يديه وهو يوجه انتباهه حينا بعد آخر إلى بعض النقوش البديعة، فلما أطلا على تلك القاعة، وقف سعيد من نفسه وقال: «ماذا أرى؟»
قال ياسر: «هل أدهشك ما رأيته من التماثيل على هذا الحوض؟»
قال سعيد: «نعم، أعوذ بالله من قوم مسلمين يقتنون التماثيل!»
قال ياسر وهو يهمس في أذنه: «هل رأيت هذا الحوض في وسط هذه القاعة؟ إنه أرسل إلى أمير المؤمنين هدية من ملك القسطنطينية مع ربيع الأسقف، وهو لا يقوم بمال لجماله وفرط غرابته، وقد كلف مالا كثيرا ومجهودا كبيرا قبل وصوله إلى هذا المكان، مخافة أن ينكسر ما عليه من تماثيل الآدميين.»
صفحة غير معروفة