وأن للتجربة بعض إنجازات في الداخل والخارج، ولكن التجربة - في النهاية - لا يمكن إدراجها تحت عنوان التجارب التقدمية؛ لأن للتحول الاشتراكي معايير وبوادر معروفة لم تتحقق.
إن أشد سلبيات التجربة بتخريب نفس الإنسان المصري من الداخل عن طريق القمع من ناحية، وعن طريق أجهزة الإعلام من ناحية أخرى ، وأن كل هذا أسكت الشعب، وعطل ملكات التفكير فيه، وجرده حتى من مجرد الشعور بالأمل في تغيير الحال.
وإنه ترتيبا على ما تقدم، إذا جاز أن نوازن بين ما حدث من عمليات قمع للشعب قبل 1952م أو ما حدث له خلال التجربة الناصرية، لأمكن القول بأن ضرر العهد الناصري أفدح من ضرر العهد الملكي الإقطاعي الذي تمكن فيه الإنسان من أن يحتفظ - على الأقل - بشعور بالأمل وبأن مقاومة الظلم يمكن أن تأتي بنتيجة.
ولما كان الدكتور قد قدم لمقالاته بفصل في «مناقب الدكتور» أوضح فيه - وهو محرج بلا شك - أنه يساري وأنه لا يمكن اتهامه بالجبن أو الانتهازية فإننا سنطالبه باسم هذا كله أن ينقد نفسه نقدا ذاتيا فيه من القسوة والأمانة وفيه من الصراحة والإدانة ما يزكي الصفات التي نسبها إلى نفسه.
ذلك أن د. فؤاد زكريا عام 1975م نسي أن د. فؤاد زكريا لعام 1970م كتب عن الناصرية عندما كان رئيسا لتحرير مجلة الفكر المعاصر.
ففي العدد 68 - أكتوبر 1970م - من مجلة «الفكر المعاصر» نقرأ في صدر العدد كلمة غير موقعة ونفهم أنها كلمة المجلة التي يرأس تحريرها د. فؤاد زكريا، ونفهم من أسلوبها أيضا أن كاتبها هو د. زكريا نفسه.
جاء في الكلمة رثاء لعبد الناصر نقرأ فيه: «كان الكل في واحد، والواحد في الكل.» «الدموع التي انهمرت قديما من عيني الأم الطيبة إلى بحر من الأيدي الملهوفة والنفوس المفجوعة والحناجر الصارخة.» «النعش الذي سجن فيه الأخ والأب والراعي تحول إلى راية ترفرف على المركب وتدعوه لمواصلة الزحف على الطريق.» «الأطفال والشباب والعجائز المتعبون والصابرون اندفعوا للتعبير عما استقر في ضمائرهم: هذا رجل حمل همنا وعاش ... لم يصل إلى أغلبنا شيء من خيرات الثورة التي فجرها ... لكن وصل إلينا صوته فأحسسنا صدقه ... لا زلنا نعاني الفقر والجهل والمرض والحرمان ... لكن نعلم أنه لم ينسنا أبدا.»
تعودنا من آلاف السنين على اللقمة المرة والعيشة المرة لكن ما أندر من أعطانا حبه واحترامه. «وإذا كان الرائد قد ودع الركب، فلا بد أن يواصل الركب سيره ويتشبث بأعلامه، وإذا كان القائد قد تركنا ونحن لا نزال نعيش في كابوس الهزيمة، والعدو الشرس الغادر يدنس ترابنا، فقد ترك لنا إرادة الصمود والإصرار على الانتصار.»
إلى أن يقول: «اذكروا أيها العاملون أنه عاش ليعمل، ويعمل.» «واذكروا أيها الفلاحون أنه سلمكم الأرض أمانة ... إلخ.»
ونكتفي بهذه الفقرات، ومنها نفهم: (1)
صفحة غير معروفة