فقال الفضل: «وأبو العتاهية لا بأس به يا مولاي؛ فإنه شاعر ظريف، ولا يهمك ما يقولون عن زهده.»
فصاح بالغلام: «وأبو العتاهية أيضا.» فمضى الخصي لإعداد ما يلزم.
الفصل الثالث والعشرون
مناطحة الكباش
أما الأمين فاستبطأ صاحب الكباش، فصفق فجاءه غلام آخر، فصاح به: «وأين صاحب الكباش؟ فإني أحب أن يرى ابن عمي كبشين يتناطحان، ليس في بغداد كلها ولا في البصرة ولا في سائر العراق مثلهما.»
فقال: «إنهما معدان للنطاح منذ ساعة، ولم يأت بهما إلى هنا ضنا بما في أرض هذا العريش من الفسيفساء، فإن الكباش تقتلعها بأظلافها في أثناء النطاح، وهي لا تملك قوتها فوق الحصى؛ فإذا شاء مولاي أن ينتقل إلى موقفها وراء هذا العريش رآها.»
قال: «حسنا.» ونهض فمشى، ومشى ابن الهادي والفضل في أثره وهما يتغامزان على ما يتشاغل به ولي عهد المسلمين من الألعاب الصبيانية، وقد قال كل منهما في نفسه: «كيف يثبت ملك هذا ولي عهده؟ أيستطيع من كان في حاله أن يحكم مملكة أولها بحر الهند، وآخرها على شواطئ بحر الظلمات، وفيها من أجناس البشر الكثيرة، وضروب الطبائع المتباينة، والعادات المختلفة، والعناصر المتضادة ما لم يجتمع في مملكة واحدة؟ ناهيك بالأحزاب السياسية ومطامع أهل النفوذ.» على أنهما سارا وهو يتقدمهما بملابسه الملونة المصقولة، وقلنسوته المصنوعة من الأزهار والرياحين حتى وصلوا إلى بقعة من البستان مستديرة، وجدوا في وسطها رجلا كبير اللحية عريضها عليه قلنسوة التجار، ويظهر من ملامحه أنه هندي الجنس، وبين يديه كبشان كبيران أبيضان، وقد نقش عليهما بالألوان صورا وأشكالا، وعلق في عنق كل منهما عقدا من العقيق، وصبغ قرني أحدهما باللون الأخضر، وقرني الآخر باللون الأحمر، فلما أقبل الأمين عليه وقف الرجل وتقدم لتقبيل يده، فمنعه وقال: «أيهما كبشي؟»
فأشار الرجل إلى صاحب القرنين الأحمرين وقال: «هذا هو يا مولاي.»
فقال وهو ينظر إلى الفضل: «فالآخر إذن كبشك. فليتناطحا ومن غلب صاحبه علقنا في عنقه عقدا آخر يشتريه له صاحب الكبش المغلوب.»
فلم يسع الفضل إلا إظهار الامتنان من هذا الإنعام وقال: «أرجو أن يغلب كبش مولاي، وإذا غلب كبشي فإنه يخجلني.»
صفحة غير معروفة