واتسعت عينا الشاب الذي لم يكن يتوقع هذه المفاجأة، وكان جواب الملك أن سأله: ما عمرك أيها الضابط؟
فقال ددف: عشرون عاما يا صاحب الجلالة.
ففطن الأمير إلى مغزى سؤال الملك وقال: إن العمر الطويل والحكمة والعرفان فضائل تؤهل للكهنوت يا مولاي، أما الجندي الباسل فتتخطى به شجاعته عوائق السن.
فابتسم فرعون وقال: لك ما تشاء يا رعخعوف ... أنت ولي عهدي ورغبتك عندي لا ترد.
فسجد ددف عند أقدام العرش وقبل الصولجان، فقال له الملك: إني أهنئك بثقة صاحب السمو الفرعوني الأمير رعخعوف أيها القائد ددف بن بشارو.
وأقسم ددف يمين الإخلاص للملك، وانتهت عند ذاك المقابلة، وغادر ددف القصر الفرعوني قائدا من قواد الجيش المصري.
وكان يوم فرح عظيم في بيت بشارو لا نظير له في الأيام، وقد قال نافا للقائد الشاب: إن نبوءتي تتحقق أيها القائد. دعني أصورك في رداء القيادة.
ولكن بشارو صاح بصوته الأجش الذي زاده غرابة ضياع أربع أسنان من فمه: ليست نبوءتك التي خلقت ددف أيها المصور، ولكنه حزم والده؛ إذ قضت الآلهة أن يكون الابن كأبيه من المقربين إلى فرعون.
ولم تعرف زايا يوما من الأيام ضحكت فيه وبكت مثل ذاك اليوم السعيد، وقد كر بها الفكر إلى غياهب الماضي البعيد المنطوي منذ عشرين عاما، وذكرت الطفل الصغير الذي أحدث مولده تنبؤات خطيرة، وأثار حربا صغيرة ذهب والده طعمة لها ... فيا للذكرى! ...
ولما خلا ددف إلى نفسه ذاك المساء ارتد إلى حالة غريبة من الحزن والوجوم، كأنها رد فعل للفرح العظيم الذي غمره طوال يومه، ولكن كانت لها أسباب أخرى ما تفتأ تأكل قلبه كما تأكل النار الهشيم. وقد رنا إلى نجوم السماء من خلل نافذته وقال وهو يتنهد: أنت وحدك أيتها النجوم التي تعلمين أن قلب ددف القائد السعيد أشد حلكة من الظلام الذي تعيشين في لجته الخالدة.
صفحة غير معروفة