فقال له الملك: إني أعفو عن هفوات الصادقين.
فخفق قلب الكاهن وقال: أما وقد تفضل مولاي بزيارة قصري الوضيع فليتفضل ويحل أشرفه.
فابتسم فرعون وترجل عن عربته، وتبعه الأمير رعخعوف وإخوته الأمراء وخوميني وأربو وميرابو، وسار الكاهن بظهره يتبعه الملك ويتبعه الأمراء، والصحبة حتى حلوا بهو الاستقبال، وجلس الملك في الصدر وحوله حاشيته، واستأذن من رع في الذهاب لإعداد ما يجب إكراما لهم، ولكن فرعون قال له: نحن نعفيك من واجب ضيافتنا لأننا جئنا في أمر خطير لا يحتمل الأناة.
فانحنى الرجل وقال: إني رهن إشارة مولاي.
اعتدل الملك في جلسته وسأل الكاهن بصوته النفاذ المهيب: أنت رجل من صفوة رجال المملكة، ومقدم عليهم بالعلم والحكمة، فهل تستطيع أن تقول لي لماذا تولي الآلهة الفراعنة على عرش مصر؟
فقال الرجل بثبات وإيمان: إنها تختارهم من بين أبنائها، وتبعث فيهم روحها الإلهي ليصلحوا البلاد ويسعدوا العباد. - أحسنت أيها الكاهن، فكل مصري يسعى في الحياة لنفسه أو لأسرته، أما فرعون فينهض بحمل أعباء الملايين ويسأل عنها جميعا أمام الرب، فهل تستطيع أن تقول لي عما ينبغي لفرعون نحو عرشه؟
وأجاب من رع بشجاعة فائقة: إن ما ينبغي لفرعون نحو عرشه هو ما ينبغي للإنسان الأمين نحو وديعة الآلهة المكرمين بين يديه، أن يقوم بواجباته ويؤدي له حقوقه، ويحافظ عليه محافظته على شرفه.
فهز فرعون رأسه راضيا وقال: أحسنت أيها الكاهن الفاضل، والآن خبرني، ماذا ينبغي أن يفعل فرعون لو هدد عرشه مهدد؟
فخفق قلب الكاهن الشجاع، وأيقن أنه يحكم على نفسه بجوابه، ولكنه - وهو رجل الدين والتقوى والعزة - أبى إلا أن يقول الحق، فقال: ينبغي لجلالته أن يبيد الطامعين.
فابتسم فرعون والتمعت عينا الأمير رعخعوف ببريق قاس، وقال للكاهن: أحسنت ... أحسنت ... لأنه إن لم يفعل، خان عهد الرب وفرط في وديعته الإلهية وأضاع حقوق العباد.
صفحة غير معروفة