ولم أكتم هذا الذي دار في نفسي، فقالت بابتسام: «لا، إن المعول على اليد لا على العود.»
ولم أفهم شيئا، ولكني سكت، فقد تجهمت، وطال سكوتها وتقطيبها، وثبت حملاقها، وبدت لي كأنها تعصر نفسها عصرا، ثم قالت: «افتح هذا الباب.»
وكان باب حجرة مهجورة في فناء البيت، نحبس فيها الدجاج، ففتحته فدخلت وقالت: «انزع هذا البلاط.»
فأطعت، وتجشمت عناء شديدا، ولكني أمضيت لها مشيئتها، فحنت على الأرض وأقامت العود في ترابها، وإذا بالشعبتين جميعا - بعد هنيهة - تنثنيان على الأرض - عموديا - حتى لخيل إلي أنهما ستقصفان.
ونهضت، ومسحت العرق المتصبب، وقالت: «هنا يجب أن تحفر. الماء غزير، ولكنه بعيد، وماذا يهم؟ ستجد فوق الكفاية من الماء.»
ولم يخالجني شك في صدقها، فجئنا بعد أيام بالرجال فحفروا ووسعوا، واحتجنا أن نهدم الجدار الذي فيه الباب فأتينا عليه، وانحدر الرجال إلى أكثر من ستة أمتار، وقضوا في ذلك أياما طويلة حتى بلغ أحدهم حجرا فزحزحه بالمعول فأنبط الماء من تحته.
واستغنيت عن شركة الماء. •••
وقلت للفتاة: «لماذا جشمت نفسك هذا العناء؟»
قالت: «هو جزاء المعروف.»
قلت: «ليس إلا؟»
صفحة غير معروفة