إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن - تخريجا وشرحا

إبراهيم بن عبد الله المديهش ت. غير معلوم

إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن - تخريجا وشرحا

تصانيف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده أما بعد فمن الآثار المشتهرة على الألسنة: «إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن». وإليك تخريجه، وألفاظه، وبيان معناه: روي عن النبي ﷺ - ولم أجده مسندًا ـ، وروي عن عمر، وعثمان، وعمر بن عبدالعزيز، والحسن البصري، وذُكر بأنه من قول أهل العلم والتجربة، والحكماء. بيان ذلك: ١ - روي عن النبي ﷺ ــ ولم أجده مسندًا ــ: قال ذلك الماورديُّ (ت ٤٥٠ هـ) في «أدب الدنيا والدين» (ص ١٣٥) قال: وروي عنه ﷺ أنه قال: «إن الله ليزع بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن». وقال عدد من العلماء: وفي الحديث، منهم: ابن السكيت (ت ٢٤٤ هـ) في «إصلاح المنطق» (ص ١٨٥) قال: (ويقال: وَزَعتُهُ أَزَعُهُ وَزْعًا، إذا كففته، وقال الأصمعي: وجاء في الحديث: «من يَزَع السلطان أكثر ممن يَزَع القرآن»، ويقال: لا بد للناس من وَزَعَةٍ، أي من كَفَفة).

1 / 1

وابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ) في «أدب الكاتب» (ص ٣٤٦) قال: (و«وزعت الناقة» كففتها، وجاء في الحديث: «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن»، ومنه الوازع في الجيش، ولا بد للناس من «وزعة» أي: من سلطان يكفهم). ومثله الهروي (ت ٤٠١ هـ) في «الغريبين» (٦/ ١٩٩٥)، وعلق عليه بقوله: (أراد من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن يزع القرآن يكفه خوف الله تعالى). والطرطوشي (ت ٥٢٠ هـ) في «سراج الملوك» (ص ٦١) ولفظه: (إن الله تعالى ليزع بالسلطان مالًا يزع بالقرآن). قال معناه: يدفع. ونشوان الحميري (ت ٥٧٣ هـ) في «شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم» (١١/ ٧١٥١)، والمُنَجَّى بن عثمان التنوخي الحنبلي (ت ٦٩٥ هـ) في «الممتع في شرح المقنع» (٢/ ٢٩٥) كلاهما بمثل لفظ الطرطوشي. وابن كثير (ت ٧٧٤ هـ) في «تفسيره» (٥/ ١١١) قال: (وفي الحديث: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». أي: ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام، ما لا يمتنع كثير من الناس بالقرآن، وما فيه من الوعيد الأكيد، والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع). قلت: يحتمل أنه يريد بالحديث الموقوف لا المرفوع. وابن الأزرق الأصبحي الأندلسي (ت ٨٩٦ هـ) في «بدائع السلك في طبائع الملك» (١/ ١٠٧) قال: (الْحِكْمَة الرَّابِعَة إِنَّه يدْفع بتخويفه وتهديده مَالا يدْفع بِالْقُرْآنِ بتكرار وعظه وترديده فِي الحَدِيث: «إِن الله ليزع بالسلطان مَالا يَزع بِالْقُرْآنِ» وَقَالَ الطرطوشي مَعْنَاهُ ليدفع قلت وَذَلِكَ لما فِي الطباع البشرية من الْعدوان والاستعصاء عَن الطَّاعَة وَمن ثمَّ قَالَ ابْن الْمُبَارك:

1 / 2

إِن الْجَمَاعَة حَبل الله فَاعْتَصمُوا ... بعروته الوثقى لمن دانا كم يدْفع الله بالسلطان مظْلمَة ... فِي ديننَا رَحْمَة مِنْهُ ودنيانا لَوْلَا الْخَلِيفَة لم تأمن لنا سبل ... وَكَانَ أضعفنا نهبا لأقوانا والزبيدي في «تاج العروس» (٢٢/ ٣١٨)، ولفظه: وفي الحديث: «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن». أي: من يكف عن ارتكاب الجرائم مخافة السلطان أكثر ممن تكفه مخافة القرآن. ٢ ــ روي عن عمر بن الخطاب ﵁ -: قال الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (٥/ ١٧٢): أخبرنا أبو بكر البرقاني، قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الهمذاني أبو حامد، قال: حدثنا أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم، قال: حدثنا جدي محمد، قال: حدثنا الهيثم بن عدي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: «لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن». الهيثم بن عدي الطائي أبو عبد الرحمن المنبجي ثم الكوفي، كذاب. (١) ونسبه لعمر ﵁: أبو جعفر النحاس (ت ٣٣٨ هـ) في «عمدة الكتاب» (ص ١١٧)، ولفظه: «لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن». وابن الطقطقي (ت ٧٠٩ هـ) في «الفخري في الآداب السلطانية» (ص ٦١) بلفظ: «يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن». قالوا: لأن الناس يخافون من عواجل العقوبة أشدّ مما يخافون من آجلها.

(١) «لسان الميزان» (٨/ ٣٦١).

1 / 3

٣ ــ روي عن عثمان بن عفان ﵁ -: أخرجه: ابن شبة (ت ٢٦٢ هـ) في «تاريخ المدينة» (٣/ ٩٨٨) - ط. شلتوت ـ، و(٢/ ١١٥) رقم (١٧٠٤) - ط. دا رالكتب العلمية - قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد: أن عثمان ﵁ قال: «لما يزع السلطان الناس أشد مما يزعهم القرآن». وأخرجه رزين من طريق يحيى بن سعيد. كما في جامع الأصول» لابن الأثير (٤/ ٨٣) رقم (٢٠٧١). ــ حماد هو ابن سلمة، ويحيى هو ابن سعيد الأنصاري. وهذا إسناد رجاله ثقات، وهو منقطع، يحيى لم يدرك عثمان، وقال ابن المديني: لا أعلمه سمع من صحابي غير أنس. انظر: «تهذيب الكمال» (٣١/ ٣٥٨) وله طريق آخر: أخرجه: ابن عبدالبر في «التمهيد» (١/ ١١٨) قال: أخبرنا إبراهيم بن شاكر، قال: حدثنا محمد بن إسحاق القاضي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الأصبغ الإمام بمصر، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، قال: حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر، قال: حدثنا ابن القاسم، قال: حدثنا مالك أنَّ عثمان بن عفان كان يقول: «ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن». أي: من الناس. قال: قلت لمالك: ما يزع؟ قال: يكف. وذكر الحسن بن علي الحلواني في كتاب «المعرفة» له، قال: حدثنا عفان قال أخبرنا إسماعيل يعني ابن علية عن ابن عون قال سمعت الحسن ــ وهو في مجلس قضائه فلما رأى ما يصنع الناس ــ قال: والله ما يصلح هؤلاء الناس إلا وزعة.

1 / 4

قال إسماعيل يزعونهم أي يمنعونهم ... إلخ قلت: وهذا منقطع - أيضًا ـ، ومثل هذه الأخبار يحتمل فيها مثل هذه العلل، فتُقبل، لعدم تعلقها بحكم شرعي، خاصة مع صحة معناه، وتتابع العلماء على نسبة هذه المقولة لعثمان ﵁ نَسَبَه إلى عثمان ﵁ -: الآبي في «نثر الدر» (٢/ ٤٤)، والثعالبي في عدد من كتبه: «الإعجاز والإيجاز» (ص ٣٤)، وفي «التمثيل والمحاضرة» (ص ٢٩)، و«اللطائف والظرائف» (ص ٢٧). والماوردي في «تفسيره» (٤/ ١٩٩) ولفظه: «ما وزع الله بالسلطان أكبر مما وزع بالقرآن». والحصري في «زهر الآداب» (١/ ٧٥)، والميداني (ت ٥١٨ هـ) في «مجمع الأمثال» (٢/ ٤٥٣)، والزمخشري في «ربيع الأبرار» (٥/ ١٨٥)، والسمعاني في «تفسيره» (ت ٤٨٩ هـ) (٤/ ٨٤)، واليفرني (ت ٦٢٥ هـ) في «الاقتضاب في غريب الموطأ وإعرابه على الأبواب» (١/ ٤٦٧)، وابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (١١/ ٤١٦)، وعنه ابن القيم في «الطرق الحكمية» (٢/ ٦٨٣)، والنويري في «نهاية الأرب» (٣/ ٦)، وابن كثير في «البداية والنهاية» (٢/ ٣٠١)، وغيرهم كثير. ذكره الغزي العامري (ت ١١٤٣ هـ) في «الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث» (ص ٦٠) رقم (٥٧) وقال: (جاء عن عثمان موقوفًا، ونحوه عن عمر موقوف). ونِسبَتُه إلى عثمان بن عفان ﵁ هو الأكثر في كتب التراث. قال ابن رشد (ت ٥٢٠ هـ) في «البيان والتحصيل» (١٧/ ٥٩): (قال مالك: بلغني أَن عثمان بن عفان قال: ما يزع الِإمام الناس أكثر مما يزعهم القرآن، قال: يزعهم يكفهم.

1 / 5

قال محمد بن رشد: المعنى في هذا أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الناس مخافة السلطان، أكثر من الذين ينتهون عنها لأمر الله، ففي الِإمام صلاح الدين والدنيا، ولا اختلاف بين الأمة في وجوب الِإمامة ولزوم طاعة الِإمام. وقال ابن رشد في موضع آخر (١٨/ ٤٩٤): (وقال مالك: قال العبد الصالح عثمان بن عفان: ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن، يعني ما يكف الناس عنه بالحدود. قال محمد بن رشد: تفسير مالك لقول عثمان صحيح، والمعنى فيه أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الله مخافة السلطان أكثر من الذين ينتهون عنها انتهاء لأمر الله ﷿، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا. ولا اختلاف بين أحد من العلماء في وجوب الإمامة ولزوم طاعة الإمام). قال ابن العربي (ت ٥٤٣ هـ) في «أحكام القرآن» - ط. الكتب العلمية - (٣/ ٤٧٤): (روى أشهب قال: قال مالك بن أنس: قال عثمان: ما يزع الناس السلطان أكثر مما يزعهم القرآن. قال مالك: يعني يكفهم. قال ابن وهب مثله، وزاد ثم تلا مالك: ﴿فهم يوزعون﴾ [النمل: ١٧] أي يكفون. وقد جهل قوم المراد بهذا الكلام، فظنوا أن المعنى فيه أن قدرة السلطان تردع الناس أكثر مما تردعهم حدود القرآن. وهذا جهل بالله وحكمه وحكمته ووضعه لخلقه، فإن الله ما وضع الحدود إلا مصلحة عامة كافة قائمة بقوام الحق، لا زيادة عليها ولا نقصان معها، ولا يصلح سواها، ولكن الظلمة خاسوا بها، وقصروا عنها، وأتوا ما أتوا بغير نية منها، ولم يقصدوا وجه الله في القضاء بها؛ فلذلك لم يرتدع الخلق بها. ولو حكموا بالعدل؛ وأخلصوا النية، لاستقامت الأمور، وصلح الجمهور؛ وقد شاهدتم منا إقامة العدل والقضاء والحمد لله بالحق، والكف للناس بالقسط، وانتشرت الأمنة، وعظمت المنعة، واتصلت في البيضة الهدنة، حتى غلب قضاء الله

1 / 6

بفساد الحسدة، واستيلاء الظلمة). (١) وقال ابن العربي - أيضًا - في «أحكام القرآن» (٢/ ٢٠٨): (ولقد يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فالرياسة للسياسة والملك لنفي الملك، وجور السلطان عاما واحدا أقل إذاية من كون الناس فوضى لحظة واحدة، فأنشأ الله الخليقة لهذه الفائدة والمصلحة على الملوك والخلفاء، كلما بان خليفة خلفه آخر، وكلما هلك ملك ملك بعده غيره؛ ليستتب به التدبير، وتجري على مقتضى رأيه الأمور، ويكف الله سبحانه به عادية الجمهور .... إلخ ٤ ــ روي عن عمر بن عبدالعزيز ﵀ -: ذكر ذلك الشوكاني في رسالته «رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين» (ص ٧٩) = «الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني» (٩/ ٤٦٧٦) قال: (ورحم الله الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فإنه قال: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». قلت: وأخشى أن يكون نسبته إلى عمر بن عبدالعزيز وهمًا - والله أعلم ـ ٥ ــ روي عن الحسن البصري ﵀ -: ذكره أبو الحسن علي بن بسام الشنتريني (ت ٥٤٢ هـ) في «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» (١/ ٤٧٧) قال: قول الحسن بن أبي الحسن البصري: «يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن». ٦ ــ قيل: وفي الأثر ــ ولم ينسب لأحد ــ: ذكره السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) في «شرح السير الكبير» (ص ١٦٩). وكذا في «المبدع في شرح المقنع» (٣/ ٣١١)، و«كشاف القناع» (٣/ ٦٨).

(١) انظر: «تفسير القرطبي» (١٣/ ١٦٨) و(٦/ ٣٢٥).

1 / 7

٧ ــ نُسب إلى أهل العلم، والحكماء: قال الجاحظ (ت ٢٥٥ هـ) كما في «رسائله» (١/ ٣١٣): (وقد قال أهل العلم، وأهل التجربة والفهم: «لما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن». وقد كان يقال: شيئان متباينان، إن صلح أحدهما صلح الآخر: السلطان والرعية. فقد صلح السلطان، وعلى الله تمام النعمة في صلاح الرعية، حتى يحقق الأثر، وتصدق الشهادة في الخبر). قال ابن عبدربه (ت ٣٢٨ هـ) في «العقد» (١/ ٩): (قالت الحكماء: إمام عادل، خير من مطر وابل. وإمام غشوم، خير من فتنة تدوم. ولما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن). قال ابن فارس (ت ٣٩٥ هـ) في «مقاييس اللغة» (٦/ ١٠٦): (وفي بعض الكلام: «ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن»، أي: إن الناس للسلطان أخوف). ٨ ــ ذكره دون عزو لأحد: الجويني (ت ٤٧٨ هـ) في «غياث الأمم في التياث الظلم» (ص: ٢٤)

1 / 8

أقوال العلماء في بيان معناه، وشرحه ــ زيادة على ما سبق من قول ابن العربي، وغيره ــ قال المبرد (ت ٢٨٥ هـ) في «الكامل في اللغة والأدب» (١/ ٢١٤): (وقال المهلب بن أبي صفرة لبنيه: إذا وليتم فلينوا للمحسن، واشتدوا على المريب، فإن الناس للسلطان أهيب منهم للقرآن. وقال عثمان بن عفان ﵁: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. قوله: «يزع» أي يكف، يقال: وزع يزع إذا كف، وكان أصله «يزع» مثل يعد فذهبت الواو لوقوعها بين ياء وكره واتبعت حروف المضارع الياء لئلا يختلف الباب، وهي الهمزة، والنون، والتاء، والياء نحو أعد ونعد، وتعد، ويعد، ولكن انفتحت في «يزع» من أجل العين لأن حروف الحلق إذا كن في موضع عين الفعل أو لامه فتحن في الفعل الذي ماضيه «فعل»، وإن وقعت الواو مما هي فيه فاء في «يفعل» المفتوحة العين في الأصل صح الفعل، نحو: وحل يوحل، ووجل يوجل، ويجوز في هذه المفتوحة ياحل وياجل وييحل وييجل، وكل هذا كراهية للواو بعد الياء، تقول: وزعته: كففته، وأوزعته: حملته على ركوب الشيء وهيأته له، وهو من الله ﷿ توفيق، ويقال: أوزعك الله شكره، أي وفقك له. وقال الحسن مرة: ما حاجة هؤلاء السلاطين إلى الشرط فلما ولي القضاء كثر عليه الناس، فقال: لا بد للسلاطين من وزعة). قال أبو جعفر النحاس (ت ٣٣٨ هـ) في «معاني القرآن» (٥/ ١٢٠): (أصل وزعته كففته ومنه لا بد للناس من وزعة ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن).

1 / 9

وقال أيضًا (٦/ ٢٥٧): (يقال وزعه يزعه ويزعه إذا كفه ومنه لما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن ومنه لا بد للناس من وزعة). قال الخوارزمي (ت ٣٨٣ هـ) في الكتاب المنسوب إليه «مفيد العلوم ومبيد الهموم» (ص ٤٠٧): الباب الأول في بيان حاجة الإنسان إلى السلطان: اعلم أن السلطنة والإمامة من مهمات الدين، وقد يتعين في رجل فيتقدم على نوافل العبادات، فبقاء الدنيا ونظام الدين بالسلطان، فما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن، ولله حارسان في الأرض وفي السماء، يحرسان الخلائق فحارسه في السماء الملائكة وحارسه في الأرض الملوك! وسِرُّ هذا أن الآدمي جبل مدني الطبع بلدي المأوى لا بد له من مطعم .... إلخ قال السمعاني في «تفسيره» (ت ٤٨٩ هـ) (٤/ ٨٤): (ومعناه: ما يمتنع الناس منه خوفا من السلطان أكثر مما يمتنع الناس منه خوفا من القرآن). قال ابن الأثير (ت ٦٠٦ هـ) في «النهاية في غريب الحديث والأثر» (٥/ ١٨٠)، وفي ط. الخراط (٩/ ٤٤٠١): («وزع» (هـ) فيه «من يزع السلطان أكثر ممن يزع القرآن». أي من يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن يكفه مخافة القرآن والله تعالى. يقال: وزعه يزعه وزعا فهو وازع، إذا كفه ومنعه .... إلخ قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى» (١١/ ٤١٦): (... ولكن في بعض فوائد العقوبات المشروعة في الدنيا ضبط العوام. كما قال عثمان بن عفان ﵁: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» فإن من يكون من المنافقين والفجار فإنه ينزجر بما يشاهده من العقوبات وينضبط عن انتهاك المحرمات فهذا بعض فوائد العقوبات السلطانية المشروعة.

1 / 10

وقال أيضًا كما في «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ١٠٧) وعنه: ابن القيم في «الطرق الحكمية» (٢/ ٦٨٣): (فصل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية؛ فإن الله يزع بالسلطان. ما لا يزع بالقرآن. وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور؛ وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات). قال الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ) في «الاعتصام» (١/ ٢٩٣): (... لأن الإعذار والإنذار الأخروي قد لا يقوم له كثير من النفوس، بخلاف الدنيوي، ولأجل ذلك شرعت الحدود والزواجر في الشرع، وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن، فالمبتدع إذا لم ينتهض لإجابة دعوته بمجرد الإعذار والإنذار الذي يعظ به، حاول الانتهاض بأولي الأمر، ليكون ذلك أحرى بالإجابة). ذكر الشيخ ابن باز كما في «فتاويه» (١/ ١٢٩): (وفي الأثر المشهور عن عثمان ﵁ وهو مروي عن عمر بن الخطاب ﵁ - أيضا - إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). وذكر - أيضًا - في «فتاويه» (٥/ ٦٧) أنه قد ثبت عن عثمان، فقال: (وقد ثبت عن عثمان بن عفان ﵁ الخليفة الراشد أنه قال: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ويروي عن عمر ﵁ أيضًا). سئل الشيخ ابن عثيمين في «لقاء الباب المفتوح» لقاء رقم (١٣٠): س: ما معنى هذا الحديث وما مدى صحته: «إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن»؟ فأجاب: لا يحضرني الآن عن صحته شيء؛ لكن معناه: أن من الناس من لا يصلحه إلا قوة السلطان، ومن الناس من يصلحه القرآن، إذا قرأ القرآن اتعظ وانتفع، ومن الناس من هو شرير لا يصلحه إلا السلطان، ويدل لهذا أن الزاني إذا زنا ماذا يُصنع به؟ يُجلد، لا نقول: نأتي به، نقرأ عليه

1 / 11

القرآن، ونحذره من الزنا، وما أشبه ذلك، نجلده؛ لأن هذا يردعه وأمثالَه عن العودة إليه، فالمعنى صحيح، أن الله تعالى يَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن؛ لكن لفظ الحديث لا يحضرني الآن). انتهى. الخلاصة: أنه صحَّ - إن شاء الله - عن عثمان بن عفان ﵁، وأما ضعف إسناده من جهة الانقطاع فيُحتمل، ويُقبَل؛ لمجيئه من طريقين عن اثنين من الأئمة، ولعدم تعلقه بحكم شرعي، ولكثرة العلماء الذين نسبوا هذا القول له، ومعناه صحيح، ومثل هذه المواعظ والحِكم عن الصحابة والسلف لا تتطلب تطبيق القواعد الحديثية النقدية كما في الأحاديث النبوية، وكذا آثار الصحابة المتعلق بها حكم شرعي (١) - والله أعلم ـ. كتبه: إبراهيم بن عبدالله المديهش مدينة الرياض ٢٢/ ١٢/ ١٤٣٩ هـ

(١) كتبت بحثًا في هذه المسألة، تجده في كتابي عن فاطمة ﵂ ــ يسر الله طباعته ـ.

1 / 12