وهنالك ثغور لا تغيب عنها البسمات؛ وعيون لا يكاد يبرق لها طرف. وهنالك دموع تترقرق في عين الشمس، وعبرات تبلل أجنحة الظلام. فالمسعدون الضاحكون، والتاعسون الباكون، كلهم له في مرام أو إلي حاجة. وعز علي وقت أقضيه، أو أقتله وأقضي عليه، بالنظر إلى الموت، أو إلى ما وراء الحياة.
وإذ إنني عشت الطفولة، والشباب، والكهولة جميعا فهبني مسانا لكل ناعم الظفر، ولكل محدودب الظهر! وما علي أن «وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا».
هوامش
الفصل الثالث
خير الشعر ما اختلج في الصدر، وحرك أوتار الحس، قبل أن ينطق به اللسان أو ترسمه اليراعة فوق الطرس. ولولا ما اتفق لامرئ القيس من أمر العذارى ومداعبتهن على الغدير، لما جادت شاعريته بمعلقة أكسبته الإمارة في الشعر، ولولا ما كان من شأن ابن زريق، وبشر بن عوانة، مع محبوبتيهما، لما خلد الأول بعينيته، والثاني برائيته. وإلا فما ظنك بعنترة لولا عبلته، أو بكثير لولا عزته، وجميل لولا بثينته، أو قيس لولا ليلاه. وأجود القول ما جاء في غرض من الأغراض، فانبعث عن الشعور والوجدان. ومن نظر في شعر طاغور وكان على علم من أحواله الشخصية؛ المادية منها والأدبية، وأحوال قومه؛ الماضية منها والحاضرة، لم ير فيه إلا صورا رائعة لحالات معلومة عرضت لنفسه أو لقلبه، فأحدثت فيهما ما يرى. وكأني به لم ينظم هذه القصيدة إلا بعد ما شهد من إقبال الأدباء الأوروبيين على ما كان قد نقله إلى الإنكليزية من أشعاره، وشدة إعجابهم بها وحرصهم عليها - ذلك بعد أن كانت في أصلها البنغالي مجهولة القدر، وغير معروفة المزية، فكأنه أراد بتلك «الأشياء» التي لم ترق في عين «الحبيبة» فألقاها وأهملها، «قصائده» التي لم تحفل بها «الهند»، وبالغ في إكرامها «الأجانب» أي الأوروبيون.
وطاغور «خفيف الروح»، وغاية في التواضع، وأبعد الناس عن الافتخار والاعتداد بالذات، فإذا أراد إطراء بضاعته اكتفى بالإشارة أو كنى ولم يسم. وهذه الخلة ظاهرة في أسلوبه وحياته جميعا:
وكان صباح:
وطرحت شبكتي في البحر، وفزت بأشياء غريبة الألوان عجيبة الجمال؛ فمن شبيه بالبسمات المتلألئة في الثغور، ومحاك للدموع المتألقة في العيون، ونظير لوجنات الصبايا.
1
وكان مساء:
صفحة غير معروفة