2
أي «دار السلام» تيمنا بعبارتين كان والده يرددهما في تأملاته، هما الآن منقوشتان على نصبين من الرخام تجت الشجرتين الأختين اللتين كان يفيء إلى ظلهما في الهجيرة: (1) «الله هو السلام التام، هو الصلاح التام، هو الفريد الوحيد»، (2) «الله سلوة نفسي، وفرح قلبي، وسلام روحي».
وإذا علمت أن قومه وأصحابه يتبركون بلثم نعليه تحية وسلاما، وأنه في عيونهم ذو صفة علوية وعجبت لذلك، فلا بدع أن يقضي عجبك كله كونه أودع من أودعهم، وأرق وألطف من زهرات الياسمين التي يقدمونها له قرابين إخلاص ومحبة؛ فإنه أنيس لطيف، بين الدعة والتواضع، جامع بين السذاجة والسمو في زيه وعادته وحديثه وأسلوبه، وفي كل ما يأتيه من حركة أو سكنة؛ ميال إلى الطبعي الفطري، وكل مستحسن أو مفيد من الصناعي والمكتسب؛ صريح في قوله وعمله، يتوخى مجاراة الطبيعة والحقيقة ما استطاع إلى ذلك سبيلا. وهو من الدين على طريقة «البراهمو سماج» التي دعا إليها والده ولا وثنية فيها.
التعريب:
ولما كنت قد جعلت لكل قطعة مقدمة موجزة، وأشفعت النظم أو أردفته بترجمة نثرية، فلا حاجة بي إلى الإسهاب في هذا المقام عن الشاعر، أو عن المسلك الذي سلكته في تعريب هذه المختارات من «البستاني». وحسبي أن أقول: إنني أطلعت صاحبنا على بعض هذه القصائد وترجمت له الأبيات العربية حرفيا إلى الإنكليزية؛ لأريه مواضع التصرف الذي تجوزته، فأنست منه من الرضى عن طريقتي في النقل والموافقة عليها ما لم أكن لأحلم بمثله.
وديع البستاني
هوامش
الفصل الأول
لو شاء شاعرنا؛ وهو ابن البحبوحة واليسار، ووارث المجد التليد، وصاحب العقل الراجح، والذكاء النادر، وطلب المناصب والوظائف، لطال أعلاها ونال أسماها. ولكنه جاء خير خليفة لأبيه «دافند راناث» الذي قضى الشطر الثاني من عمره معتزلا دنياه، خاليا إلى نفسه، قانعا مما أوتيه من بسطة الجاه وسعة العيش، بشجرتين أختين، في برية موحشة، كان يفيء إلى ظلهما، ولا دأب له إلا التأمل والتفكير بحثا عن «الحقيقة».
بيد أنه على خلوه من المطامع الدنيوية، والمآرب النفسانية، لم ينهج منهج النساك المتقشفين الذين ينقطعون عن العالم ويضربون بينهم وبين الناس حجابا صفيقا، بل ذهب إلى أن لقاء «الحق» في كل مكان «أقرب إلى التقوى» وأن الحسنة يأتيها، والمعروف يأمر به، أدل على الورع من معاناة الوحدة وشظف العيش.
صفحة غير معروفة