[chapter 1] حجج برقلس فى قدم العالم
بسم الله الرحمن الرحيم رب أعن
صفحة ٣٤
الحجة الأولى: من حجج ابرقليس التى يبرهن بها أن العالم أبدى: قال: إن الحجة الأولى من الحجج التى نبين بها أن العالم أزلى مأخوذة من جود البارى، فإنه لا إقناع أثبت منه فى البرهان: من أمر الكل على أنه مثل ما عليه: أتاه الحق، وعنه كان وجوده. وذلك لما كان للجود وحده كون الكل، فأتى به لأنه ليس يجوز أن يقال إن خلقه لغير الجود. وليس هو حينا جوادا وحينا ليس بجواد فهو دائما سبب لوجود العالم، إذ كان كون العالم مساويا لكون البارى، فإنا لا نجد شيئا يتعلق به بوجه أن يكون إنما فعل العالم لأنه جواد، ولا يكون أبدا بفعله. وهو أبدا جواد. فإذ قد كان أبدا جوادا، فأبدا يحب أن تكون الأشياء كلها مشاكلة له. وإذ كان يحب الأشياء كلها مشاكلة له، فهو يقدر على أن يجعل جميع الأشياء مشاكلة له، إذ كان رب الأشياء كلها والمالك لها. فإذا كان يحب أن تكون الأشياء كلها مشاكلة له ويقدر على أن يجعل الأشياء كلها مشاكلة، فهو أبدا يفعلها. وذلك أن كل ما لا يفعل، فتركه الفعل: إما لأنه لا يشاء أن يفعل، وإما لأنه لا يقدر أن يفعل — إن كان ممن يجوز عليه أنه قابل لأحد الأمرين. فإذا كان البارى تعالى من قبل جوده فعل العالم، ففعله أبدا. فيجب من ذلك أن يكون العالم غير مكون منذ زمن، ولا فاسدا فى زمن. وذلك أن القول بأنه غير قادر على أن يفعل ما يشاء — مما يستحق أن يهزأ به، لأنه يلزم متى كان حينا قادرا وحينا غير قادر أن لا يكون غير قابل للاستحالة والتأثير، وذلك أن فقده القدرة علة قبول الأثر، والمتغير من لا قدرة إلى القدرة قد استحال، لأن القوة ولا قوة هما من الكيف، والاستحالة هى التغير فى الكيف. فإذا كان أبدا قادرا على أن يخلق وأبدا يشاء أن يخلق، فيجب ضرورة أن يكون أبدا يخلق وأبدا الكل مخلوقا وأبدا العالم موجودا، كما أن الخالق أبدا خالق. غير أن الخالق أبدا موجود، والعالم أبدا متكون، فإن معنى «أبدا» ليس هو فيهما جميعا معنى واحدا بعينه، بل معناه فى الخالق الدهر والأزلية؛ ومعناه فى العالم الزمان الذى لا نهاية 〈له〉 من قبل أن المساوق للموجود هو الدهر والأزلية، والمساوق للمتكون هو الزمان.
[chapter 2]
الحجة الثانية: إن كان مثال العالم أزليا، ومعنى ما هو هو أنه مثال ما، وليس بطريق العرض لكن بذاته له هذه القوة إذ كان بمعنى وجوده نفسه هو مثال ما وليس بطريق العرض لكن بذاته له هذه القوة، إذ كان بمعنى وجوده نفسه هو مثال فإن وجوده لما كان أزليا فلا محالة أنه أزليا مثال. فان كان معنى أنه مثال أزليا له، لزم من ذلك ضرورة أن يكون الممثل أيضا أبديا، وذلك أن المثال إنما هو بالقياس إلى الممثل وإن كان الممثل لم يكن حينا لم يكن ولا يكون حينا لا يكون لئلا يكون المثال إما غير موجود متى لم يكن الممثل وإما مثالا لغير ممثل، إذ كان الشيئان اللذان إنما يقال كل واحد منهما بالقياس والإضافة إلى صاحبه ليس يمكن أن يوجد أحدهما والآخر غير موجود. فيجب من ذلك إن كان المثال أزليا هو مثال، أن يكون العالم أبدا ممثلا على المثال الذى هو أزلى.
[chapter 3]
صفحة ٣٥
الحجة الثالثة: إن كان الخالق تعالى إنما هو خالق لشئ فإما أن يكون بالفعل خالقا له أبدا وإما بالقوة حتى يكون إنما يخلقه حينا لا أبدا. فإن كان الخالق بالفعل هو أبدا خالق فالمخلوق أيضا أبدا بالفعل يكون مخلوقا، وذلك من قبل أن الأمر على ما قال أرسطوطاليس من أن العلة إن كانت بالفعل فإن المعلول أيضا على ذلك المثال بالفعل. مثال ذلك إن كان البانى بانيا بالفعل فإن المبتنى مبتنى بالفعل. وإن كان الجالب للصحة جالبا بالفعل، فالمجتلبة له الصحة مجتلبة بالفعل. وقال أيضا أفلاطن فى كتابه المنسوب إلى «فيليبس» إن الذى يفعل ليس يفعل ما قد تم كونه ولا ما سيكون، بل إنما يفعل ما هو متكون أى دائب. فيكون وإن كان المخلوق ليس بالفعل فالخالق أيضا ليس هو أبدا خالقا بالفعل. وإن لم يكن خالقا بالفعل فهو إذا خالق بالقوة إذ كان وجوده قبل أن يخلق. وقد قال أرسطاطاليس أيضا إن كل ما كان بالقوة شيئا ما فإنما يصير ذلك الشىء بالفعل عما هو ذلك الشىء بالفعل فيصير ما هو بالقوة جار — جاريا بالفعل عما هو بالفعل جار، وكذلك يجرى الأمر فى البارد وفى الأبيض والأسود. فيجب من ذلك أن يكون الخالق أيضا إنما يصير خالقا بالفعل بعد أن كان خالقا بالقوة، من شىء آخر كان خالقا بالفعل فجعل هذا الخالق خالقا بالفعل وقد كان من قبل خالقا بالقوة. فإن كان ذلك الخالق هو أبدا علة بالفعل، لهذا فى أن يكون خالقا فهذا أبدا خالق، للقضية الأولى التى حكم فيها بأن العلة متى كانت أيضا بالفعل فإن معلولها أيضا يكون بالفعل. ويجب من ذلك أن يكون المخلوق أيضا أبدا موجودا. وإن كان ذلك الخالق أيضا بالقوة هو علة لتصيير هذا الخالق يخلق، فهو أيضا محتاج إلى شىء آخر يجعلها بالفعل مصيرا هذا الخالق إلى أن يخلق، للقضية الثانية التى حكم فيها أن كل ما هو بالقوة محتاج إلى ما بالفعل كيما يصير بالفعل. ولا يزال هذا القول يطرد فى ترقيه من واحد قبل واحد طالبين علة لما بالفعل فى هذه العلة بالقوة التى إياها قصدنا. فإما ترقينا بلانهاية، أو وصلنا إلى أن نعترف بعلة موجودة أبدا بالفعل. ومتى اعترفنا بذلك لزم وجود معلولاتها أبدا بالفعل، وأن كان العالم مخلوقا أبدا، إذ كان قد بين أن الخالق أيضا أبدا خالق — بقضيتين واجب قبولهما: إحداهما أن حال أحد الشيئين الداخلين فى باب المضاف إلى حال كانت كحال قريبة: إن كان بالقوة كان بالقوة وإن كان بالفعل كان بالفعل؛ والقضية الأخرى أن كل ما كان بالقوة فإنما ينتقل إلى ما هو بالفعل عما هو بالفعل ذلك الشىء الذى كان أولا ذاك علته بالقوة ثم صار بأخرة علته بالفعل.
[chapter 4]
صفحة ٣٧
الحجة الرابعة : كل ما كان تكونه عن علة غير متحركة فهو فى وجوده غير متحرك، وذلك أن الفاعل إن كان غير متحرك فهو غير متغير، وإذا كان غير متغير فإنه إنما يفعل بنفس وجوده من غير أن ينتقل من أن يكون يفعل إلى أن يكون لا يفعل، ولا من أن يكون لا يفعل إلى أن يكون يفعل. لأنه إن انتقل فقد حدث له تغير بنقلته من شىء إلى شىء غيره. ومتى حدث له تغير، لم يكن غير متحرك. فإن كان إذا شىء غير متحرك: فإما ألا يكون يفعل فى حال من الأحوال، وإما أن يكون يفعل دائما، كيلا يكون متحركا من قبل أنه يفعل حينا. فمتى كانت علة ما غير متحركة [شيئا] لشىء 〈ما〉 ولم يكن يسبب علة له فى كل حال، ولا علة له حينا، فهى علة له أبدا. وإن كان ذلك 〈كذلك〉، فلم يزل علة له. فإن كانت علة الكل غير متحركة — كيلا تكون، إن كانت متحركة، غير كاملة أولا ثم تصير بأخرة كاملة — لأن كل حركة فإنما هى فعل غير تام، وكيلا يكون إن كانت متحركة تحتاج إلى زمان ومساوق الزمان — فيجب ضرورة أن يكون الكل أزليا، إذ كان إنما كان عن علة غير متحركة. فإن ظن ظان أن بقوله: علة الكل وحدها أزلية وإن العالم ليس بأزلى — تورعا وقربة إلى الله تعالى، فقد أوجب فى العلة التى هى الله تعالى [على] أنها متحركة، لا غير متحركة. ومتى قال فيه بأنه متحرك، لا غير متحرك، فقد قال بأنه ليس كاملا أبدا، بل حينا، وبأنه ناقص، من قبل أن كل حركة فهى فعل غير تام محتاج إلى ما دونه، أعنى إلى الزمان، من قبل الحركة. وإذا قال بأنه حينا غير كامل وليس هو أبدا كاملا، وأنه محتاج إلى ما دونه فقد استبدل بالقربة بعدا وسحقا وبالورع كفرا وفجورا. فإن ظن إذا ظان أن بقوله فى علة الكل إنها وحدها أزلية قربة إلى الله تعالى، فقد بلغ أقصى المبالغ فى الكفر بالله.
[chapter 5]
صفحة ٣٨
الحجة الخامسة: السماء والزمان معا، وليس السماء ما لم يكن الزمان، ولا الزمان ما لم تكن السماء. والزمان لم يكن حين لم يكن فيه، ولا يكون حين لا يكون فيه. وذلك أنه إن كان حين لم يكن فيه زمان فيشبه أن يكون حين لم يكن زمان قد كان زمان، لأن ما قيل فيه إنه موجود حينا فإنما يقال فيه إنه موجود حينا من قبل أنه غير موجود حينا، وليس هو أبدا موجودا ولا أبدا غير موجود بل حاله حال وسطى فيما بين هاتين الحالتين، وحيث كان حين فهناك زمان. وإن كان قد يكون حين لا يكون فيه زمان، حتى ينتقل من أن يكون حينا إلى أن لا يكون حينا، فحين عدم الزمان يكون حينئذ حين لا يكون زمان، لأن «حينا» دال على زمان. فإن كان لم يكن حين لم يكن فيه زمان، ولا يكون حين لا يكون فيه زمان — وذلك أن عدم الزمان فى الجهتين جميعا يكون مع وجود الحين، والحين دال على زمان — فالزمان إذا أبدا موجود. وذلك أن نقيض «حين» إما «أبدا» وإما «ولا فى وقت من الأوقات». غير أن قولنا «ولا فى وقت من الأوقات» محال، وذلك أن الزمان موجود لا محالة؛ والزمان إذا أبدا موجود. والسماء مع الزمان، وذلك أنه مقدار حركة السماء: فكما أن الدهر مقدار حياة الحى بذاته، فإن هذا أيضا مما يتبين به أن الزمان أبدا موجود، كيلا يكون الدهر إما ليس بمثال لشىء أصلا إن كان الزمان غير موجود والدهر موجود، وإما ألا يكون هو أبدا دائم البقاء لانتقاله من ألا يكون مثالا إلى أن يكون مثالا، أو من أنه مثال إلى أن لا يكون مثالا. فالسماء إذا موجودة أبدا كمثل الزمان، لأنها قريبة، فلا قبل الزمان ولا بعده تكونت، بل كما قال هو: الزمان كله كانت وتكون هى.
[chapter 6]
صفحة ٣٩
الحجة السادسة: إن كان الخالق وحده يقدر على 〈عقد العالم ، فسيقدر وحده على〉 نقض العالم، وذلك أنه لا يقدر على نقضه — كما قال — سوى من عقده لأن العالم بالنقض فى كل شىء إنما هو العالم بعقد ذلك الشىء الذى عقده، والقادر على النقض هو العالم بالنقض، وكان الخالق ليس ينقض العالم، لأنه هو القائل: «إن المؤلف بالبقاء حسنا مستوى النظام فليس يشاء نقضه إلا شرير»، وكان من المحال أن يصير الخير على الحقيقة شريرا — فمن المحال أن ينقض العالم. وذلك أنه لا يمكن أن ينقضه غيره، لأن الخالق وحده قادر على نقضه، والخالق لا ينقضه، لأن المؤلف تأليفا محكما فليس ينقضه إلا شرير. فيجب من ذلك إما أن لا يكون ألفه على ما ينبغى فلا يكون صانعا مجيدا؛ وإما أن يكون قد ألفه على ما ينبغى فلا يحله ما لم يصر شريرا — وذلك غير ممكن. فالكل إذا غير منتقض. فيجب أن يكون غير فاسد، فهو غير حادث. فلأن أفلاطن أيضا يعتقد أن كل حادث فاسد، وذلك أنه قال إن كل حادث فله فساد، كما قال سقراط فى أوائل «طيماوس» ولم ينسب ذلك إلى نفسه بل إلى الوحى، وحذر من العدول عنه حتى يعتقد أن شيئا حادثا لا يفسد. فإن كان هذا القول حقا، فما لم يكن له فساد فهو غير حادث، والعالم ليس له فساد، فهو إذا غير حادث، فالعالم إذا أزلى أبدى إذ كان لا حادث ولا فاسد.
[chapter 7]
الحجة السابعة: إن كانت نفس الكل غير حادثة ولا فاسدة، فالعالم أيضا غير حادث ولا فاسد؛ وذلك أن حدها مثل حد كل نفس من أنها متحركة بذاتها؛ وكل متحرك بذاته فهو بذاته ينبوع ومبدأ للحركة، وذلك أنه ليس هو مبدأ للحركة باختيار بل بمعنى ما هو متحرك من ذاته. فإن كانت إذا نفس الكل أزلية، فيجب أن يكون الكل يتحرك عنها أبدا. فأى شىء يتحرك ليت شعرى متى لم يكن موجودا إما قديما، وإما حادثا. وهى أبدا مبدأ للحركة؛ ولا يمكن ألا تكون مبدأ للحركة، إذ كانت فى جوهرها متحركة بذاتها ، ولذلك ما صارت مبدأ للحركة. لكن النفس غير حادثة ولا فاسدة لأنها متحركة بذاتها. فالكل إذا غير حادث ولا فاسد. وقد بان من ذلك أن كل نفس فقد استولت منذ أول الأمر على جسم أزلى تحركه أبدا، وإن كانت مستولية على أجسام فاسدة فإنما تحرك تلك الأجسام ما عنها يتحرك دائما.
[chapter 8]
صفحة ٤٠
الحجة الثامنة: إن كان كل ما يفسد فإنما يفسد من شىء غريب عنه يدخل عليه، ويفسد إلى شىء غريب، وليس شىء خارج الكل ولا غريب عنه بل هو مشتمل على كل شىء إذ كان مؤلفا من كليات الأشياء وكاملا جامعا لأشياء كاملة، وليس شىء غريب عن الكل ولا شىء غريبا يفسد إليه أو يفسد عنه — فلذلك هو غير فاسد، ولذلك بعينه هو غير محدث. وذلك أن كل حادث فعن شىء ما يحدث قد كان فيما تقدم غريبا، فيجب أن يكون شىء ما غريبا عن الكل، ويكون هذا خارجا عن هذا الحادث. ويلزم من ذلك أن يكون شىء خارج عن الكل كان قبل أن يحدث الكل غريبا عن الكل. وإن كان ذلك، فللكل ضد ما عنه حدث، غير أن الأضداد يحدث بعضها من بعض ويتغير بعضها إلى بعض، ولها طريقان إذ كانا بين شيئين على ما بين أفلاطون فى كتابه المنسوب إلى «فادن» بأقاويل كثيرة: من أن كل واحد من الضدين ينتقل إلى صاحبه كيلا تكون الطبيعة منقوضة. ولعمرى أن «لا مرتب على نظام» مقابل لل «مرتب على نظام». ولو كان ذلك على طريق العدم والملكة، وقد نقل من عدم إلى ملكه، فذلك أن المعنى الأول أبعد فى الإمكان والقدرة، ومن قبل ذلك صارت أصناف من العدم لا تنتقل إلى ملكة. فإذ كان ذلك الذى هو أبعد من الإمكان قد كان، فبالحرى كون ما هو أقرب إلى الإمكان حتى ينتقل المنظوم إلى لا منظوم، ويكون ذلك جاريا مجرى الطبيعة وعلى مشيئة الله تعالى. وذلك أن الفاعل لما هو أبعد فى الإمكان فأحر به أن يفعل ما هو أقرب فى الإمكان . فإن كان هذان ضدين، فسبيلهما سبيل سائر الأضداد كلها؛ فيجب من ذلك أن يكون الكل أيضا ينتقل إلى ضده الذى عنه كان. لكن قد تبين أن الكل غير فاسد، فليس ينتقل إلى ضد له، ويجب من ذلك ألا يكون حدث. فالكل إذا أزلى، فإنه ليس يمكن أن يكون ضدان لأحدهما طريق إلى الآخر وليس للآخر طريق إليه. ولا يمكن فى العدم والملكة أن يكون من العدم طريق إلى الملكة، ولا يكون من الملكة إلى العدم طريق. وذلك أن فى بعض الأشياء ليس طريق من العدم إلى الملكة؛ وأما الضدان فلهما طريق من بعض إلى بعض على ما قال سقراط فى الكتاب المنسوب إلى «فادن». فيجب من ذلك إما ألا يكون الكل غير فاسد، وأحر به أن يكون غير حادث؛ وإما ألا يكون «لا منظوم» مضادا لل «منظوم»، أو كان «لا منظوم» عدما لل «منظوم».
صفحة ٤١
[chapter 9]
الحجة التاسعة: كل ما يفسد 〈يفسد〉 عن آفة فيه. وذلك أنه ليس ينبغى أن يكون الشىء يفسد مما يخصه من محمود بنيته، ولا مما ليس هو غير آفة ولا شر بل مخالفا. لأن كل ما جرى هذا المجرى لن يقدر على أن يضره ولا ينفعه، ولا يكون يقدر على إفساده ولا على حفظه على سلامته. فإن كان الكل قد يفسد، فإنما يفسد عن آفة فيه. والعالم عنده أحد السعداء وكذلك جميع الملائكة وكذلك هذا الجنس كله لا آفة به فهو بهذا السبب غير قابل التغير. فليس يمكن إذا أن يفسد الكل، إذ كان لا آفة به لأنه أحد السعداء. وإن كان الكل غير فاسد من قبل أنه ليس شىء يفسده، فهو أيضا غير حادث، وذلك أن كل ما عنه يكون حدوث الشىء فذلك يفسده. لأنه إذا كان المغلوب كان سببا لحدوثه، وإذا كان الغالب كان سببا لفساده، فإذ كان ليس شىء يفسده فليس شىء عنه حدث؛ لكن ليس شىء يفسده، فليس شىء عنه حدث؛ لكن ليس شىء يفسده إذ كان لا آفة به. فلا سبيل إلى أن يقال فيه إن شيئا يفسده إذ هو منظوم سوى لا منظوم، وإذ هو من الزينة على ما هو عليه سوى ما لا زينة له فإن هذين هما الآفة الداخلة على المنظوم والمزين. فإن كانت فيه آفة من الآفات، ففيه سوء نظام وقبح إليهما ينتقض. وإن لم يكن به آفة فليس سوء نظام ولا سوء زينة أى قبح يعاند المنظوم ذا الزينة أعنى الكل. وإن لم يكن له سوء نظام وسوء زينة يعانده ويضاده فلم يكن حدوثه عن سوء زينة ورداءة نظام، إذ كان ليس شىء هذا حده فى معاندته. وإنما وجب له ذلك لأنه لا آفة به، فليس شىء إذا عنه حدث. وإذ كان ليس شىء عنه حدث، فلم يحدث: إذ كان قد يجب أن يكون كل ما يحدث فعن شىء ما يحدث، وليس شىء يحدث عن ما ليس.
هذه الحجج التسعة هى بنقل إسحاق بن حنين. وحجج إبرقليس فى القدم هى ثمانى عشرة حجة قد نقلها غير إسحاق نقلا رديئا، والذى وجد بنقل إسحاق منها هى هذه التسعة. والسلام.
صفحة ٤٢