البرهان في وجوه البيان

ابن وهب الكاتب ت. 335 هجري
155

البرهان في وجوه البيان

تصانيف

وقد أوصى بعض حكماء العرب بنحو ما قلناه فقال: "أعلم أنه لا يتهيأ لك نقل رجل عن طريقته بالمناقضة والمكابرة، ولا سيما إذا كان ذا سلطان أو ذا نخوة، ولكنك تقد أن تعينه على رأيه، وتنبهه على إحسانه، وتقربه من قلبه، فإنك إذا قربت منه المحاسن كانت هي التي تكفيك المساوي، وإذا استحكمت منه ناحية من الصواب كان ذلك الصواب هو الذي يبصره الخطأ بألطف من تبصيرك، وأعدل من قضيتك، لأن الصواب يؤيد بعضه بعضا، يدعو بعضهم إلى بعض. وإنما حقوق المجالس وحقوق القول فيها، فإن مجالس السلطان مخالفة لمجالس الرعية، ومجالس العلماء مخالفة لمجالس الجهال، ومجالس الجد مخالفة لمجالس الهزل، فحق العاقل أن يعظم مجالس السلطان والعلماء فلا يأتي فيهما مخالفة بشيء من الخنا، ولا الهزل ولا اللهو إلا أن يشاء السلطان ذلك منه، فيأتي ما يأتي ذلك عن إذنه وطاعة لأمره وتحسب ما يحتمله نشاطه من غير زيادة على ما يخرج به عن حد الخلاف عليه، والعصيان لأمره، ولا يملي لنفسه مع ذلك في الاسترسال، والجري على عادة النفس في الإهمال، وأن يكون في مجلس السلطان بين ثلاثة أحوال:

إما أن يكون منصتا، أو معظما لحقه عن الابتداء بالكلام في مجلسه، أو مجيبا عما يسأل عنه، من غير دخول في جواب مسألة لغيره، أو منهيا نصحه إليه فيما أصلح ملكه ورعيته من غير أن يشوب النصح بالسعاية، أو يخلط المشورة بالنميمة، والتحميل على الرعية، فالتوقير للرؤساء والأئمة مما قد أمر الله سبحانه به حيث يقول:

صفحة ٢١٢