وقال عز من قائل: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم}. وقال المسيح - عليه السلام - في الإنجيل: {احذروا الكذبة الذين يأتونكم بألسنة الحملان وقلوب الذئاب}. وألا يقبل من ذي قول مصيب فيه كل ما يأتي به لموضع ذلك الصواب الواحد، ولا يرد على ذي قول مخطئ فيه كل ما يأتي به لموضع ذلك الخطأ الواحد، بل لا يقبل قولا إلا بحجة، ولا يريده إلا لعلة، فيكون في ذلك كالوزان الحاذق المتفقد لميزانه وصنجاته، فإن الخطأ في الرأي أعظم # [ضررا] من الخطأ في الوزن، والا يجادل ويبحث في الأوقات التي يتغير فيها مزاجه ويخرج عن حد الاعتدال، لأن المزاج إذا زاد على [حد] الاعتدال في الحرارة كان معه العجلة، وقلة التوقف، وعدم الصبر، وسرعة الضجر، وإذا زاد في البرودة على حال الاعتدال أورث السهو والبلادة، وقلة الفطنة وإبطال الفهم. وقد قال جالينوس: "إن مزاج النفس تابع لمزاج البدن"، وأن يتجنب العجلة ويأخذ بالتثبت، فإن مع العجلة الزلل؛ وألا يستعمل اللجاج والمحك، فإن العصبية تغلب على مستعملها فتبعده عن الحق وتصده عنه، وألا يعجب برأيه، وما تسوله له نفسه حتى يفضي بذلك إلى نصائحه ويلقيه إلى أعدائه، فيصدفونه عن عيوبه ويجادلونه، ويقيمون الحجة عليه، فيعرف مقدار ما في يده إذا خولف فيه، فإن كان مجر بخلاء [يسر]. وإن لم يشعر برأيه، ولم يدر أنه في غرر من رأيه" كان بعيدا في نيل شفائه، وأن يتجنب الكذب في رأيه وخبره لأنه خلاف الحق، وإنما يريد بالجدال إثارة الحق واتباعه، وأن يتجنب الضجر وقلة الصبر، لأن عمدة الأمر في استخراج الغوامض وإثارة المعاني الصبر على التأمل والتفكير.
صفحة ١٩١