ومنها أن الجدل في العلة والسؤال عنها ماض في سائر ما تخالف فيه خصمك، فإذا صرت إلى ما يخالفك فيه فليس لك أن تسأل عن العلة، ولا أن تجادله فيها، لأنك حينئذ تكون مجادلا لنفسك، اللهم إلا أن يكون سؤالك عن العلة في ذلك لتقريره بها، ثم تأخذه بطردها في شيء # - قد أتاه - وحكمه حكم ما وافقك عليه، وذلك مثل قولك لمن وافقك على إثبات الباري - عز وجل -، وهو مجسم: ما علتك ودليلك اللذان أوجبت بهما وجود الباري عز وجل؟ فيدل على ذلك بما تشاهده من تأليف الأجسام ووجودها بعد أن لم تكن، وتناهيا وتركيبها وآثار الصنعة فيها، فتكون علته في ذلك هي العلة في أن صانعها لا يشبهها ولا يكون مثلها، وأنه متى كان جسما لزمه حكم الأجسام في الحاجة إلى صانع غيره (تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا).
ومنها أن المعارضة في الجدل صحيحة، وإن كان قوم قد أبوها، وقالوا إنها لا مسألة، ولا جواب، فليس الأمر كما ظنوا. والمعارضة هاهنا المقابلة، كما يقال: عارضت السلعة بمثلها. فإذا قابلت بين الأمرين والعلتين، وطالبت خصمك بأن يحكم للشيء بما توجبه العلة في نظيره، كان ذلك وابجا، وقد عارض الله - سبحانه - من أبى البعث واستنكره مع إقراره بابتداء الخلق واختراعه، فقال:
{وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}.
صفحة ١٨٣