وأما الإطالة ففي مخاطبة العوام، ومن ليس من ذوي الإفهام، ومن لا يكتفي من القول بيسيره، ولا يتفتق ذهنه إلا بتكريره، وإيضاح تفسيره، ولهذا استعمل الله -عز وجل - في مواضع من كتابه # تكرير القصص، وتصريف القول ليفهم من يبعد فهمه، ويعلم من قصر علمه، واستعمل في مواضع أخر الإيجاز والاختصار لذوي العقول والأبصار، فما روي من الخطب القصيرة، والرسائل الموجزة والألفاظ المختصرة وما نحن ذاكرو بعضه ليدل على سائره. فمن ذلك خطبة تروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي أن قال بعد حمد الله والثناء عليه:
"أيها الناس، كأن الموت في الدنيا على غيرنا كتب، وكأن الحق بها على غينا وجب، وكأن الذي يشبع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون، بنوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم، كأنا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة، وأمنا كل جائحة، طوبى لمن شغله عيبه من عيوب الناس، وأنفق من مال اكتسبه من غير معصية، وجالس اهل الذلة والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن أذل نفسه، وحسنت خليفته، وصحت سريرته، وعزل -عن الناس شره، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة، ولم يعدها إلى البدعة".
صفحة ١٥٥