البرهان في علوم القرآن

بدر الدين الزركشي ت. 794 هجري
75

البرهان في علوم القرآن

محقق

محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر

دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م

قَالَ وَأَظُنُّ أَنَّ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَى تَسْمِيَةِ كُلِّ مَا فِي الْقُرْآنِ فَوَاصِلَ وَلَمْ يُسَمُّوا مَا تَمَاثَلَتْ حُرُوفُهُ سَجْعًا رَغْبَتُهُمْ فِي تَنْزِيهِ الْقُرْآنِ عَنِ الْوَصْفِ اللَّاحِقِ بِغَيْرِهِ مِنَ الْكَلَامِ الْمَرْوِيِّ عَنِ الْكَهَنَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا غَرَضٌ فِي التَّسْمِيَةِ قَرِيبٌ وَالْحَقِيقَةُ مَا قُلْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْأَسْجَاعَ حُرُوفٌ مُتَمَاثِلَةٌ فِي مَقَاطِعِ الْفَوَاصِلِ فَإِنْ قِيلَ إِذَا كَانَ عِنْدَكُمْ أَنَّ السَّجْعَ مَحْمُودٌ فَهَلَّا وَرَدَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مَسْجُوعًا وَمَا الْوَجْهُ فِي وُرُودِ بَعْضِهِ مَسْجُوعًا وَبَعْضِهِ غَيْرَ مَسْجُوعٍ قُلْنَا إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ وَعَلَى عُرْفِهِمْ وَعَادَتِهِمْ وَكَانَ الْفَصِيحُ مِنْهُمْ لَا يَكُونُ كَلَامُهُ كُلُّهُ مَسْجُوعًا لِمَا فِيهِ من أمارات التكلف والاستكراه والتصنع لاسيما فِيمَا يَطُولُ مِنَ الْكَلَامِ فَلَمْ يَرِدْ كُلُّهُ مسجوعا جريا منه على عرفهم في اللطيفة الْعَالِيَةِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَمْ يَخْلُ مِنَ السَّجْعِ لِأَنَّهُ يَحْسُنُ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ عَلَى الصِّفَةِ السابقة وعليها ورد في فصيح كلامهم فلم يجز أن يكون عاليا في الفصاحة وقد أدخل فيه بشرط من شروطها فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي وُرُودِ بَعْضِهِ كَذَلِكَ وَبَعْضِهِ بِخِلَافِهِ وَخُصَّتْ فَوَاصِلُ الشِّعْرِ بِاسْمِ الْقَوَافِي لأن الشاعر يقفوها أي يتبعها في شعره لَا يَخْرُجُ عَنْهَا وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ فَاصِلَةٌ لِأَنَّهَا تَفْصِلُ آخِرَ الْكَلَامِ فَالْقَافِيَةُ أَخَصُّ فِي الِاصْطِلَاحِ إِذْ كُلُّ قَافِيَةٍ فَاصِلَةٌ وَلَا عَكْسَ وَيَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ الْقَافِيَةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا سَلَبَ عَنْهُ اسْمَ الشِّعْرِ وجب

1 / 58