البرهان في علوم القرآن
محقق
محمد أبو الفضل إبراهيم
الناشر
دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م
قَالَ: وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ مُخَالِفِيهِمْ إِلَى إِثْبَاتِ السَّجْعِ فِي الْقُرْآنِ وَزَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا تَبَيَّنَ فِيهِ فَضَلُّ الْكَلَامِ وَأَنَّهُ مِنَ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّفَاضُلُ فِي الْبَيَانِ وَالْفَصَاحَةِ كَالتَّجْنِيسِ وَالِالْتِفَافِ وَنَحْوِهَا قَالَ وَأَقْوَى مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ مُوسَى أَفْضَلُ مِنْ هارون ﵉ ولما كان السجع قيل في موضع ﴿هارون وموسى﴾ وَلَمَّا كَانَتِ الْفَوَاصِلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالْوَاوِ والنون قيل ﴿موسى وهارون﴾
قَالُوا: وَهَذَا يُفَارِقُ أَمْرَ الشِّعْرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْخِطَابِ إِلَّا مَقْصُودًا إِلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ غَيْرَ مَقْصُودٍ إِلَيْهِ كَانَ دُونَ الْقَدْرِ الَّذِي نُسَمِّيهِ شِعْرًا وَذَلِكَ الْقَدْرُ يَتَّفِقُ وُجُودُهُ مِنَ الْمُفْحَمِ كَمَا يَتَّفِقُ وَجُودُهُ فِي الشِّعْرِ وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ السَّجْعِ فَهُوَ كَثِيرٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَّفِقَ كُلُّهُ غَيْرَ مَقْصُودٍ إِلَيْهِ
قَالَ: وَبَنَوُا الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَحْدِيدِ مَعْنَى السَّجْعِ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مُوَالَاةُ الْكَلَامِ عَلَى وزن واحد قل ابن دريد سجعت الحمامة رَدَّدَتْ صَوْتَهَا
قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا الَّذِي يَزْعُمُونَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ سَجْعًا لَكَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ أَسَالِيبِ كَلَامِهِمْ وَلَوْ كَانَ دَاخِلًا فِيهَا لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ إِعْجَازٌ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ هُوَ سَجْعٌ مُعْجِزٌ لَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا شِعْرٌ مُعْجِزٌ وَكَيْفَ وَالسَّجْعُ مما كانت
1 / 55