البرهان في علوم القرآن
محقق
محمد أبو الفضل إبراهيم
الناشر
دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م
وَاعْلَمْ أَنَّهُ حَيْثُ قَصَدَ التَّخَلُّصَ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّوْطِئَةِ لَهُ وَمِنْ بَدِيعِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿نحن نقص عليك أحسن القصص﴾ يُشِيرُ إِلَى قِصَّةِ يُوسُفَ ﵇ فَوَطَّأَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ إِلَى ذِكْرِ الْقِصَّةِ يُشِيرُ إِلَيْهَا بِهَذِهِ النُّكْتَةِ مِنْ بَابِ الْوَحْيِ وَالرَّمْزِ وَكَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ مُوَطِّئًا لِلتَّخَلُّصِ إِلَى ذِكْرِ مُبْتَدَأِ خَلْقِ الْمَسِيحِ ﵇ ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ ونوحا﴾ الآية
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تولوا فثم وجه الله﴾ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ مَا وَجْهُ اتِّصَالِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا﴾ الآية؟
قال الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ الدَّهَّانَ يَقُولُ وَجْهُ اتِّصَالِهَا هُوَ أَنَّ ذِكْرَ تَخْرِيبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَدْ سَبَقَ أَيْ فَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ ذَلِكَ وَاسْتَقْبِلُوهَا فَإِنَّ لِلَّهِ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ الآية فَإِنَّهُ يُقَالُ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِبِلِ وَالسَّمَاءِ وَالْجِبَالِ وَالْأَرْضِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَالْجَوَابُ أنه جَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَجْرَى الْإِلْفِ وَالْعَادَةِ بِالنِّسْبَةِ إلى أهل الوبر فإن كل انْتِفَاعِهِمْ فِي مَعَايِشِهِمْ مِنَ الْإِبِلِ فَتَكُونُ عِنَايَتُهُمْ مَصْرُوفَةً إِلَيْهَا وَلَا يَحْصُلُ إِلَّا بِأَنْ تَرْعَى وتشرب وذلك بنزول المطر وهو سبب تقلب وجوههم في السماء ثم لا بُدَّ لَهُمْ مِنْ مَأْوًى يُؤْوِيهِمْ وَحِصْنٍ يَتَحَصَّنُونَ بِهِ وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ كَالْجِبَالِ ثُمَّ لَا غِنًى لَهُمْ لِتَعَذُّرِ طُولِ مُكْثِهِمْ فِي مَنْزِلٍ عَنِ التَّنَقُّلِ مِنْ أَرْضٍ إِلَى سِوَاهَا فَإِذَا نَظَرَ الْبَدَوِيُّ فِي خَيَالِهِ وَجَدَ صُورَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَاضِرَةً فِيهِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ
1 / 45