البرهان في علوم القرآن
محقق
محمد أبو الفضل إبراهيم
الناشر
دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م
أَنَّ نَاسًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْنَا عِدَّةَ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَمَا عِدَّةُ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ مِنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ؟ فَنَزَلَتْ فَهَذَا يبين معنى ﴿إن ارتبتم﴾ أَيْ إِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمْ كَيْفَ يَعْتَدِدْنَ فَهَذَا حُكْمُهُنَّ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ الله﴾ فَإِنَّا لَوْ تَرَكْنَا مَدْلُولَ اللَّفْظِ لَاقْتَضَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَجِبْ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُفْهَمُ مُرَادُ الْآيَةِ حَتَّى يُعْلَمَ سَبَبُهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا نزلت لما صلى النبي صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا﴾ فَإِنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ قَوْمًا أَرَادُوا الْخُرُوجَ لِلْجِهَادِ فَمَنَعَهُمْ أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ثُمَّ أَنْزَلَ فِي بَقِيَّتِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ وَتَرْكِ الْمُؤَاخَذَةَ فَقَالَ ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
فصل: فيما نزل مكررا
وَقَدْ يُنَزَّلُ الشَّيْءَ مَرَّتَيْنِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ وَتَذْكِيرًا بِهِ عِنْدَ حُدُوثِ سَبَبِهِ خَوْفَ نِسْيَانِهِ وَهَذَا كَمَا قِيلَ فِي الْفَاتِحَةِ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَكَّةَ وَأُخْرَى بِالْمَدِينَةِ وَكَمَا ثَبَتَ فِي
1 / 29