البرهان في علوم القرآن

بدر الدين الزركشي ت. 794 هجري
21

البرهان في علوم القرآن

محقق

محمد أبو الفضل إبراهيم

الناشر

دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م

بَهَرَتْ بَلَاغَتُهُ الْعُقُولَ وَظَهَرَتْ فَصَاحَتُهُ عَلَى كُلِّ مَقُولٍ وَتَظَافَرَ إِيجَازُهُ وَإِعْجَازُهُ وَتَظَاهَرَتْ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ وَتَقَارَنَ فِي الْحُسْنِ مَطَالِعُهُ وَمَقَاطِعُهُ وَحَوَتْ كُلَّ الْبَيَانِ جَوَامِعُهُ وَبَدَائِعُهُ قَدْ أَحْكَمَ الْحَكِيمُ صِيغَتَهُ ومعناه وَقَسَّمَ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ إِلَى مَا يُنَشِّطُ السَّامِعَ وَيُقَرِّطُ الْمَسَامِعَ مِنْ تَجْنِيسٍ أَنِيسٍ وَتَطْبِيقٍ لَبِيقٍ وَتَشْبِيهٍ نَبِيهٍ وَتَقْسِيمٍ وَسِيمٍ وَتَفْصِيلٍ أَصِيلٍ وَتَبْلِيغٍ بليغ وتصدير بالحسن جدير وترديد ماله مزيد إلى غير ذلك مما أجرى الصِّيَاغَةِ الْبَدِيعَةِ، وَالصِّنَاعَةِ الرَّفِيعَةِ، فَالْآذَانُ بِأَقْرَاطِهِ حَالِيَةٌ، وَالْأَذْهَانُ مِنْ أَسْمَاطِهِ غَيْرُ خَالِيَةٍ فَهُوَ مِنْ تُنَاسُبِ أَلْفَاظِهِ وَتَنَاسُقِ أَغْرَاضِهِ قِلَادَةٌ ذَاتُ اتِّسَاقٍ، وَمِنْ تَبَسُّمِ زَهْرِهِ وَتَنَسُّمِ نَشْرِهِ، حَدِيقَةٌ مُبْهِجَةٌ لِلنُّفُوسِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَحْدَاقِ، كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْهُ لَهَا مِنْ نَفْسِهَا طَرَبٌ، وَمِنْ ذَاتِهَا عَجَبٌ، وَمِنْ طَلْعَتِهَا غُرَّةٌ، وَمِنْ بَهْجَتِهَا دُرَّةٌ، لَاحَتْ عَلَيْهِ بَهْجَةُ الْقُدْرَةِ، وَنَزَلَ مِمَّنْ لَهُ الْأَمْرُ، فَلَهُ عَلَى كُلِّ كَلَامٍ سُلْطَانٌ وَإِمْرَةٌ، بَهَرَ تَمَكُّنُ فواصله، وحسن ارتباط أواخره وأوائله وَبَدِيعُ إِشَارَاتِهِ وَعَجِيبُ انْتِقَالَاتِهِ مِنْ قِصَصٍ بَاهِرَةٍ إِلَى مَوَاعِظَ زَاجِرَةٍ وَأَمْثَالٍ سَائِرَةٍ وَحِكَمٍ زَاهِرَةٍ وَأَدِلَّةٍ عَلَى التَّوْحِيدِ ظَاهِرَةٍ وَأَمْثَالٍ بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّحْمِيدِ سائرة ومواقع تعجب واعتبار ومواطن تنزيل وَاسْتِغْفَارٍ إِنْ كَانَ سِيَاقُ الْكَلَامِ تَرْجِيَةً بَسَطَ وَإِنْ كَانَ تَخْوِيفًا قَبَضَ وَإِنْ كَانَ وَعْدًا أَبْهَجَ وَإِنْ كَانَ وَعِيدًا أَزْعَجَ وَإِنْ كَانَ دَعْوَةً حَدَبَ وَإِنْ كَانَ زَجْرَةً أَرْعَبَ وَإِنْ كَانَ مَوْعِظَةً أَقْلَقَ وَإِنْ كَانَ تَرْغِيبًا شَوَّقَ. هَذَا وَكَمْ فِيهِ مِنْ مَزَايَا ... وَفِي زَوَايَاهُ مِنْ خَبَايَا وَيُطْمِعُ الْحَبْرَ فِي التَّقَاضِي ... فَيَكْشِفُ الْخَبَرَ عَنْ قَضَايَا فَسُبْحَانَ مَنْ سَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْقُلُوبِ وَصَرَّفَهُ بِأَبْدَعِ مَعْنًى وَأَغْرَبِ أُسْلُوبٍ،

1 / 4